قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

أوباما.. ودعاء السِّحر
د.أحمد راسم النفيس (*)
منذ عدة سنوات قمت بكتابة شرح لدعاء (السَحر) للامام علي بن الحسين (السجاد)، سلام الله عليه، وهو دعاء مستحب في أسحار شهر رمضان المبارك، أعاده الله علينا وعلى المسلمين بكل خير. ورغم وجود الفتحة أعلى حرف السين فما ان يستلم أحد الأصدقاء ذلك الكتيب حتى يقول (دعاء السِحر) بكسر السين ونضطر للفت انتباهه للنطق الصحيح وتعريفه بمعنى الكلمة الواردة في كتاب الله عز وجل (والمستغفرين بالأسحار)!.
لماذا أصبح الشغل الشاغل لمشايخ آخر الزمان هو فك السحر ومطاردة الجان وليس الاستغفار من الذنوب والمعاصي بالليل والأسحار؟!. الجواب هو أن المسلمين قد تربوا على ثقافة مفادها أن سبب سقوطهم الى قعر الأمم يرجع لتآمر الآخر الظاهر والخفي عليهم وأنهم بعجرهم وبجرهم وظلمهم وعدلهم (ان وجد) هم خير أمة أخرجت للناس وأن صلاح ذات بينهم يتوقف على خوض المعركة الفاصلة مع شياطين الجن في الداخل وشياطين الانس الآتية من الغرب ولا بأس من الاستعانة بشيطان على شيطان لأن الشيخ فلان (حفظه الله) سيتمكن من اخراج الشيطان المنتصر عبر قراءة القرآن وضرب الممسوس الملبوس بعصا الخيزران وعندها يصبح كل شيء تمام التمام، ونقوم بفتح روما وبيزنطة ونأخذ كل ما لديهم من ذهب وفضة ونعود به في شنطة.. وكل عام وأنتم بخير!.
العلاقة بين أوباما ودعاء السِحر بالكسرة علاقة واضحة، ولولا ذلك لما أعاد مشايخنا تذكر خطابه اللزج الذي ألقاه في جامعة القاهرة ووعد فيه بالمن والسلوى حيث ذكره مفتي مصر الشيخ علي جمعة بأن (الناس يتوقعون منه شيئاً أكبر من مجرد البيانات) وطالبه (بدفع تلك النوايا الحسنة والأمنيات الطيبة التى صاحبت خطابه الى الأمام، وترجمتها الى برامج عملية تنفيذية تهدف الى تجاوز مفهوم الحوار الى مفهوم الشراكة) مشددا على أن (الحاجة للحوار بين أتباع الأديان والثقافات المختلفة أَصبحت أشدَّ الحاحاً فى ضوء المشكلات التي عكرت صفو العلاقات بين الشعوب والمجتمعات وذلك من خلال الحوار المبني على التعددية الدينية والتنوع الثقافي، وليس افحامَ الآخر وقهرَه!.
من الذي قال إن السيد أوباما لم يصحب خطابه بالعمل؟!. أليس هو من يمد اسرائيل بالمال والسلاح كي تتمكن من مواصلة عدوانها الهمجي على العرب والمسلمين؟!. أليس هو من يقف حاميا لاسرائيل في المحافل الدولية بل ويرى أن من حقها امتلاك السلاح النووي نظرا لظروفها (الخاصة جدا)؟!. أما مطالبة أوباما (بقبول الحوار المبني على التعددية الدينية والتنوع الثقافي، وليس افحامَ الآخر وقهرَه) فهي مزحة تضحك الثكلى، اذ ان نفس الجريدة حملت على صفحاتها خطابا لشخص آخر يرى نفسه مسلما مستنيرا يطالب أوباما بنفس ما طالب به مفتي الديار، ولكنه يتبنى مبدأ افحام الآخر وقهره بقوله (ان هناك محاولات من جانب ايران لتصدير المذهب الشيعي الى مصر والعالم العربي الا أن الأزهر الشريف له دور فعال ومؤثر للتصدي لهذه المحاولات، مؤكداً أنه لا يوجد أي طالب شيعي يدرس في جامعة الأزهر، وقال: مصر منتبهة جيداً لتلك المحاولات الايرانية وتتصدى لها بكل قوة)!.
أليس هذا الكلام هو الترجمة الحرفية لافحام الآخر وقهره خاصة أن من يتحدث عن التصدي والتحدي لا يقصر عمله على المواجهة الفكرية بل يقرنها باجراءات أمنية فجة تنال من حرية المواطن وكرامته وحقوقه التي كفلها الدستور والقانون؟!. المشكلة كل المشكلة على ما يبدو هي في آفة السِحر التي أفقدت (الرجال رجولتهم)، ولكنها لم تضرب عقول قادة المسلمين، ولم تفقدهم الرؤية الصائبة، ولم تحل بينهم وبين ادراك أنهم يأمرون أوباما بالبر وينسون أنفسهم!. على أية حال فنحن نأمل أن يواصل أصحاب العقول قراءة العنوان بالكسرة لا بالفتحة عله يفلت من براثنهم ويصل الى أكبر عدد من الصائمين.. وكل عام وأنتم وأصحاب الضمير بألف خير.
(*) باحث وكاتب مصري
ـــــــــــــ