قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

لنستثمر"الفرصة" ولا نجعلها "غصّة" !؟
محمد علي
يمكن القول أن بناء النظام السياسي في أي مجتمع من أصعب التحديات وأخطرها لما له من آثار إيجابية وسلبية سواء في حالة النجاح أو الإخفاق ولذلك فإن الطريق إلى ذلك بحاجة إلى صبر وحكمة كما أنه بحاجة إلى ثقافة تتضمن الكثير من الضوابط والقيم الأخلاقية والإنسانية والقوانين التي تضمن سلامة النظام وصيانته من أي انحراف أو تجاوز، وعلى هذا الأساس وضعت الكثير من الدراسات والبحوث التي تتحدث عن الأسس التي ينبغي أن تقوم عليها النظم السياسية والأطر والآليات التي تعتمد عليها في تسيير شؤون البلاد والعباد، وعبرت المدارس الفكرية المختلفة عن نظرياتها وأطروحاتها في هذا الشأن الهام في حياة الشعوب والأمم. ولا شك أن الإسلام بوصفه أرقى الأديان والنظريات له رأيه المتقدم في هذا المجال الحيوي لأن ثقافة الإسلام تقوم على الاهتمام بالإنسان وكل ما يتعلق به من شخصية وحقوق وواجبات ومسؤوليات وما يرتبط به من محيط اجتماعي واقتصادي وسياسي ودوره في استثمار هذا المحيط بما يرجع بالفائدة والمصلحة عليه وعلى الآخرين، ومع أن الإسلام له رؤيته ومنهجه في البناء الاجتماعي والسياسي ولكنه لا يلغي الاستفادة من نتاج العقل البشري فيما يرتبط بالتجربة الإنسانية على كل صعيد من أجل الوصول إلى الصيغة الأفضل التي تتناسب مع واقع الناس ما دامت لا تمس بالقيم الأخلاقية والإنسانية وقد نبه القرآن الكريم إلى هذا الجانب حيث يقول ربنا عز وجل: "وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ" ،، إذ إن علينا أن نتعلم من تجارب السابقين والمعاصرين والتفاوت الموجود في القدرة والفهم والمعرفة لكي نرتقي بمجتمعاتنا إلى مراحل متقدمة في البناء السياسي والاجتماعي.
ولإن "العالم بزمانه لاتهجم عليه اللوابس"، وأن "فوت الفرصة غصة" كما ورد في احاديث أهل البيت(ع)، ولأننا نعيش في واقع محلي واقليمي وعالمي يسابق الزمن فإننا في أمس الحاجة إلى "استثمار الفرص" من خلال بناء نظام سياسي متطور قادر على تسخير الوقت والجهد لصالح الناس والاهتمام بحاجاتهم أولاً بأول، مع أن عالم اليوم يقول أن الاهتمام ينبغي أن يكون أسرع من ذلك من خلال استشراف المستقبل ومعرفة ما يحتاجه الناس بعد سنوات لكي يكون متوفراً لهم بدلاً من أن يبقوا على قائمة الانتظار لفترة قد تصل إلى عشرات السنوات كما هو الحال ربما بالنسبة إلى ملفات حيوية مثل الإسكان والكهرباء والاعمار، والبطالة والفقر والصحة والتعليم و.. و..، وربما لا ندري ما هو القادم، وهذا ما يضيع على البلاد فرصاً كثيرة في النمو والتقدم لأن البلد الذي لا يعرف كيف يوفر الفرص لشعبه لا مكان له في عالم السباق مع الزمن وهو ما يميز عالم اليوم. إننا بحاجة ليست دائمة فقط وإنما سريعة لتطوير النظام السياسي والاداري والاقتصادي في بلادنا الذي تثبت الحقائق والأرقام أنه لا يمتلك القدرة على مواكبة الزمان والتطور الحاصل على أكثر من صعيد على الرغم من امتلاكنا للكثير من عوامل القوة وعناصر التنمية، ماديا وبشريا، التي هي بحاجة إلى تخطيط استراتيجي، وبصيرة ورؤية واضحة و منفتحة لكي تساهم في الارتقاء بواقعنا، ومن خلال ذلك سنكون قادرين على أن نعزز حالة الثقة والانسجام وسوف تتبدد حالة القلق والشكوك والتجاذبات التي لا تخدم حالة الاستقرار والبناء والتنمية من أجل تحقيق التطلعات والطموحات، ولكي نكون قادرين على ذلك لا بد من شجاعة في المواقف وجدية في القرارات وحكمة وصدقية في التطبيق على صعيد الواقع بعيدا عن الاكتفاء بالشعارات والدعايات التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
والله من وراء القصد.