قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

العودة الى "الحضيرة" العربية ..
نزار حيدر
منذ اعلان مفوضية الانتخابات عن فوز (العراقية) ولحد الان، ما فتئت الاخيرة تتحدث عن المساعي التي ستبذلها لاعادة العراق الى "حضيرة " الدول العربية. الى ماذا تلمح العراقية على وجه التحديد؟ وهل ان العراق بلد ضل طريقه!؟.
هذه واحدة من مخلفات الماضي الذي يحن اليه بعض الساسة العراقيين، وكأن العراق الجديد سيعيد عافيته اذا عاد الى (الحضيرة) العربية، ناسين او متناسين ان كل مشاكل العراق على مدى العقود الاربعة الماضية كان سببها هذه (الحضيرة) التي كانت تجد في نظام الطاغية الذليل الجزء الذي يكمل الجسد العربي المهترئ على اعتبار القاعدة (شبيه الشيء منجذب اليه) او (ان الطيور على اشكالها تقع).
لقد ظلت الانظمة العربية تدعم النظام البائد بكل اشكال الدعم، فعلى الصعيد السياسي من خلال دعم وتسويق سياساته في المحافل الدولية، خاصة عندما فكر في شن حربه ضد الجارة ايران وتحول عندها الى ما بات يعرف بالاعلام العربي الطائفي والعنصري بحامي البوابة الشرقية، او على الصعيد الاعلامي عندما لزمت هذه الانظمة موقف الصمت المطبق ازاء كل جرائمه البشعة التي ظل يرتكبها ضد الشعب العراقي ومن بينها جريمته في حلبجة والتي لم ينبس الاعلام العربي ازاءها ببنت شفة وكأن من قتله النظام بالاسلحة الكيمياوية في هذه المدينة الشهيدة كانوا من الحشرات ولم يكونوا بشرا. لدرجة ان هذا الاعلام أيضا ظل يشكك بقصة المقابر الجماعية حتى بعد مرور كل هذه السنين على سقوط الصنم في بغداد.
فما الذي يتوقعه العراقيون من (الحضيرة) العربية لنلمس كل هذا التهالك من بعض السياسيين العراقيين للعودة بالعراق الى هناك؟ وكأن هذه (الحضيرة) جنة عدن الموعودة التي ستنقذ العراق الجديد من كل مشاكله؟. هذا من جانب، ومن جانب آخر، فان (الحضيرة) العربية هي التي ابتعدت عن العراق الجديد، لانها تعتقد بانه سيكون وبالا على انظمتها الديكتاتورية والبوليسية، ولذلك سعت الى ان تفعل المستحيل من اجل اقناع الراي العام العربي تحديدا بان الديمقراطية المفترضة في العراق ومن ثم في البلاد العربية ما هي الا ضرب من ضروب الخيال وان ثمنها غال جدا جدا لا يختصر بانهار الدم والدمار الهائل، بل يتعدى ذلك كثيرا، ولذلك فان الاحسن للشعوب العربية ان لا ترى في العراق نموذجا يحتذى، لان الديمقراطية والفوضى توأمان سياميان لا يمكن الفصل بينهما. ومن اجل ترسيخ هذه القناعة في اذهان الراي العام العربي قدمت (الحضيرة) العربية كل انواع الدعم لمجموعات العنف والارهاب لتنفيذ المهمة التي ترسخ هذه القناعة. وبعد كل هذا يبشروننا باعادة العراق الى هذه (الحضيرة) التي قال عنها الشاعر مظفر النواب ما قال.. نحن العراقيون لسنا ضد علاقات حسنة مع المحيط العربي والاقليمي ابدا، بشرط ان يستوعب هذا المحيط حقيقة ما يجري في العراق الجديد، فيحترمون خيارات العراقيين، على طريقة (عيسى بدينه وموسى بدينه) فلنا ديمقراطيتنا ولكم ما تشتهون، واذا كان المشهد العراقي يرعبهم لان الشعوب ترى فيه ما يحرك طموحاتها نحو حياة افضل في ظل انظمة ديمقراطية يتداول فيه الفرقاء السلطة سلميا عبر صندوق الاقتراع، فلم يعد الحاكم الاوحد والقائد الضرورة وولي الامر هو الحاكم المطلق الذي لا يجوز للشعب ان ينتقده او يحاسبه او يذكر اسمه الا على وضوء، فهذه ليست مشكلة العراقيين وانما مشكلتهم هم، فما هو ذنبنا اذا كانت الديمقراطية معدية؟!.