من المواقف الخالدة
المرجع الرسالي درع الأمة
|
*إعداد / خالد عبدالحسين
مرجعية الأمة مسؤولية عظمى ولايتحملها إلا من امتحن الله قلبه في المهمات الصعبة والإبتلاءات الكبيرة، وعادةً ما تنتهي بالشهادة ذلك أن المرجع يضع نفسه درعاً للأمة فيتقي ضربات الأعداء بجسده الطاهر ويجعل نفسه في مقدمة المدافعين عن روح الأمة وحياتها النابض. وفي نفس الوقت يمكن أن يقوم بهذا الدور معنوياً، حيث يتحمل الضغوطات النفسية من قبيل التشهير والتحجيم والتقوّل عليه، من أجل ان يكون المجتمع بعيداً عن الفتن والنزاعات ولا يدخلها، إنما يتسلم فقط التعاليم والمفاهيم دون شوائب وما يعكر صفو الذهن.
نعم؛ هكذا كان حال بعض مراجعنا الكرام الماضين منهم ومن هم على قيد الحياة (رحم الله الماضين وحفظ الباقين).
ومن أعلام أولئك المراجع الأبطال المرجع الكبير الراحل السيد محمد كاظم اليزدي صاحب الكتاب المعروف بـ (العروة الوثقى)، و القضية تعود الى بدايات الاحتلال البريطاني الغاشم للعراق، فبعد الغزو البريطاني واستتباب الأمر لهم قرروا الإنتقام من أهالي النجف الأشرف لأنهم حاربوا جيش الإحتلال وقاوموا سيطرة المستعمرين على المدينة وعلى العراق بمجمله، وفي محاولة لفصل العلماء عن جماهيرهم جاء الحاكم البريطاني بالمرجع الراحل السيد محمد كاظم اليزدي قائلاً له: أن الحكومة ترجو منك الخروج إلى الكوفة لأنها تريد تأديب أهالي النجف!
فأجابه السيد: هل أخرج أنا وحدي أم مع أهل بيتي؟
قال الحاكم: بل مع أهل بيتك.
فقال السيد اليزدي: أهالي النجف كلهم أهل بيتي، إنني لن أخرج أبداً، فما يصيبهم يصيبني!!
وبهذا الموقف البطولي تمكن السيد اليزدي رحمه الله من دفع شر البريطانيين عن أهالي النجف الأشرف، وهو بهذا الموقف عرض نفسه وحياته للخطر، وكان باستطاعته أن يحزم متاعه ويأخذ أهل بيته المقربين ويخرج من المدينة ويستخرج آلاف الأعذار والتبريرات من الكتاب والسنة لتبرير فعلته تلك، لكنه لم يفعل، لماذا؟ لأنه لم يكن فرداً واحداً، بل كان أمة! فالرجل عندما يصل إلى مرتبة المرجعية العليا للمسلمين فإنه لن يكون ملك نفسه، بل هو ملك الأمة، لذا فهو ينسى أغراضه وأهدافه الشخصية، ويتجاهل رغباته وشهواته الذاتية من أجل تحقيق الغايات العليا للأمة.
وبهذه الروحية وبهذه العقلية فقط يستطيع المرجع أن يؤدي ما عليه من مسؤوليات وواجبات تجاه دينه وأمته، أما المرجع الضعيف الذي لايقوى على تحريك شيء أو الدفاع عن قضايا الأمة، لايستطيع أن يفعل لها شيئاً، ولابمقدوره أن يوجهها إلى طريق الأمن والهداية.
ولو بحثنا في أسباب الضعف الشخصية، لوجدنا أن الخشية من الموت هي إحدى الأسباب الرئيسة لهذا الضعف، والخشية محرمة على المراجع، لأن الشهادة في سبيل الله هي كرامة من الله ولايوفق إليها إلاّ ذو حظٍ عظيم، وما من عالم يتصدر أمر الأمة إلا ويبطن في داخله الرغبة في الشهادة في سبيل الله. ذلك أن قضايا الأمة تضع القائد دوماً على المحك، وتعرض حياته للخطر، وما من يوم يمر إلا وحياة القائد هي في خطر، لأنه ما من قرار يتخذه القائد لصالح الأمة إلا ويكون في ضرر الإحتلال أوفئة من الناس أو مجموعة منحرفة وضالة، وهؤلاء بالطبع لن يدعو القائد يعيش بأمان وسلام.
بالمقابل من واجب الأمة عند ذلك أن توفر الحماية الكافية لهذا القائد المتفاني والمضحي في سبيل دينه وأمته، وأن لاتسمح لأية قوة في الأرض أن تصل يداها النجسة إلى علمائنا وقادتنا، فهؤلاء هم عزتنا وكرامتنا وأن أية إهانة تتوجه إليهم معناه إهدار لكرامة وعزة الأمة، فليس من الجائز التهاون في مسألة المحافظة على حياة القائد والدفاع عن عزته وكرامته لأنهما من شرف الأمة.
إن ما يدفع العلماء والمراجع إلى التلكؤ في إتخاذ القرارات المصيرية في معظم الأحيان، هي الخشية على دماء المسلمين وعلى المشاكل الداخلية التي قد تحدث فيما لو نزلت الجماهير إلى الساحة، وإذا أردنا أن نحسب المسألة بحساب القيم والمبادئ سنجد أن القائد هو المسؤول عن تحقيق المبادئ السامية والدفاع عنها بالدرجة الأولى، ومن أجل هذا فهو يعرض نفسه وحياته للخطر، ومن أجل هذه المبادئ يجب أن تضحي الأمة بما تملك من غالي ونفيس، فحياة المبادئ هي حياتها، ولاخير في أمة تعيش الإذلال والاحتقار لأنها في الواقع ستكون أمة ميتة!
|
|