خفايا الوجه وامكانية قراءة المكنون
|
*إعداد / محمد ابراهيم
قراءة الوجه هي في الأساس فنُّ اكتشاف بعض الأمور عن شخصية شخصٍ ما، أو عن وضعه الصحي بمجرد النظر إلى ملامح وجهه. وبما أننا نقوم كلُّنا بقراءة الوجه حتى منذ نعومة أظفارنا، فقد أودعنا في مخزون ذاكرتنا ذخائر من الوجوه والشخصيات التي تتناغم معاً. وقد شكَّل ذلك في مُستهلِّ الأمر أداةً تساعدنا على حماية أنفسنا من المُعتدين المحتملين، لكننا قمنا بشكل طبيعي فيما بعد بشحذها، لجعلها أداة قوية نستعين بها في تفاعلاتنا الإجتماعية على إختلاف أشكالها.
يتم معظم التحليل لملامح الوجه لا شعورياً عن طريق العقل الباطني. فقد تتعرّف أنت على شخص ما في حفلة، وتلاحظ تلقائياً أن فمه يشبه فم أحد معارفك. وبشكل غريزي ودون إدراك من جانبك، تخرج بافتراضات أولية تتعلق بهذا الشخص إستناداً إلى تجربتك الخاصة السابقة مع ذلك الشخص، الذي لديه فم شبيه بفم هذا الشخص.
ويعود سبب انتقائنا للوجه لفعل ذلك إلى كونه أكثر أجزاء الجسم بروزاً وتوضيحاً لمكنونات النفس وخباياها. فالوجه يتألّف من خمسة ملامح مُميَّزة، كالشكل والحاجبين والعينين والأنف والفم، ويُشكّل اثنان منها، وهما العينان والفم، ملامح كثيرة الحركة تقدِّم بذلك كمية كبيرة من المعلومات عن الشخص الكامن وراء الوجه. إضافة إلى ذلك، يتغيّر لون الوجنتين وفقاً للعواطف والإنفعالات الفورية، التي تنتاب الشخص ذا البشرة الشاحبة أو الفاتحة اللون.
وتعتبر عملية قراءة الوجه أداة قوية ينبغي إستخدامها بحكمة مع مراعاة مشاعر الآخرين وفهم التداعيات المترتبة على تطبيقها.
كيف تطبّق قراءة الوجه؟
تعتبر قراءة الوجه مجرّد ترجمة لتعبير الشخص عن حالته العاطفية الراهنة. ونظراً للقدر الكبير من التفاعلات التي تبديها وجوهنا؛ فإنّها تتغيّر وفقاً للتقلّبات العاطفية التي نمرُّ بها. فالتجهّم أو رفع الحاجبين، أو معدّل تكرار طَرف العينين، أو حركة العينين، أو تضيّق فتحة العينين، أو تورُّد الوجنتين، أو زمّ الشفتين، أو الفكّ المُطبق، ليست سوى إستجابات لما ينتابنا من مشاعر داخلية. كما تعمل على بثّ رسائل صامتة إلى الخارج. وقد تكون هذه التعابير قد ضربت جذورها، وتأصّلت في وجوهنا منذ فترة طويلة من الزمن.
وتمتد عملية قراءة الوجه إلى ما هو أبعد من ذلك. وتتمثل الفكرة الأساسية في أنّ الشخصية العاطفية، التي ولدت معنا عند رؤيتنا للنور تنعكس أيضاً في الوجه الذي وُهِبَ لنا. فمن البديهي أن يكون لدى الشخص، الذي يتسم بشخصية منطلقة وصريحة ومنفتحة أصلاً وجه معبِّر وصريح ومنطلق.
وتعمل الحياة بالطبع على إحداث تغييرات في شخصيتنا، فنستقي منها فن ضبط تصرُّفاتنا وتطويعها بطرق مختلفة. وقد لا تتضِحُ هذه التغييرات بالضرورة في عملية قراءة الوجه. وهذه حالة من الحالات التي علينا فيها التحلي بالإنفتاح والصراحة والمرونة لدى إجراء قراءة للوجه.
كما أننا نتعلّمُ كيف نستخدم وجوهنا للتواصل مع الآخرين. فيمكننا على سبيل المثال أن نعمد بوعي منّا إلى إحداث تغيير في تعابير الوجه بهدف إبراز نقطة معيّنة أو التأكيد عليها. وتتم قراءة الوجه عمليّاً حين يكون الوجه في حالة إسترخاء.
الممارسات الشرقية:
نشأ أسلوب قراءة الوجه الوارد في الصين، وتمّ تطويره في بلدان مجاورة كاليابان، وقد عُرِفت هذه البلدان بتاريخ طويل جرى فيه الجمع بين مشاعر وإنفعالات الإنسان وبين جسمه. فلا يوجد حدٌّ فاصل في الفكر الشرقي بين الصحة البدنية والصحة العاطفية. وفوق ذلك، تمثّل التقليد الذي ساد الثقافات الشرقية في الفكرة القائلة بوجود تيارات ملموسة من الطاقة الكهرمغناطيسية، التي تجري في أجسامنا كجزء من الممارسات العلاجية المتداولة لديها. وهي تسمى تشي (chi) في الصين وكي (ki) في اليابان وبرانا (prana) في الهند.
وتتجاوز هذه الطاقة الكهرمغناطيسية أو الـ(كي) الخاصة بنا، وتشكّل بصورة نمطية حقلاً حول الشخص يبلغ اتساعه 10-100 سم. ويمكن الآن التقاط صورة له باستخدام عملية تدعى عملية التصوير الفوتوغرافي الكيريلي (kirilian). ويُعتقد أنّ هذه الطاقة (تشي أو كي) تقوم بنقل عواطف الإنسان ومشاعره في الجسم بحيث تتغذّى كل خليّة بالدم والأكسجين. والكي هي الطاقة الكهرمغناطيسية التي تنقل بصورة رئيسية أفكار الشخص ومعتقداته وعواطفه.
وتتخذ الـ(كي) أو الطاقة الكهرمغناطيسية أشكالاً مختلفة لدى تنقُّلِها في الجسم. وقد حدَّد الصينيون خمسة من هذه الأشكال ولقبوها بالعناصر الخمسة. فعندما تتحرك الطاقة الكهرمغناطيسية في الجسم، فإنها تَرشح عبر البشرة وتترك آثارها، التي تصبح مع مرّ الزمن ملامح يمكن ملاحظتها، أو شيئاً يمكننا قراءته في الوجه. وتجري الطاقة الكهرمغناطيسية، في الوقت ذاته مقيّدة ضمن القنوات البدنية، فتشبه بذلك حركة المياه في التضاريس المتاحة أمامها. ومن هنا، فإنّ البنية العظمية، والوضعية التي يتخذها الجسم، وملامح الوجه وشكله تؤثر كلها في الطريقة التي تجري بها الطاقة الكهرومغناطيسية وبالتالي في أنواع العواطف والإنفعالات والخواص، التي تُبَثّ ذبذباتها إلينا بأكثر الطرق عفوية.
ويتم في الطب الشرقي الربط بين عواطف وإنفعالات الإنسان وبين حالته البدنية. وبذلك يمكن في إطار نظرية العناصر الخمسة إستخدام قراءة الوجه لفهم طريقة جريان الطاقة الكهرمغناطيسية، إنطلاقاً من العناصر تلك. ويرتبط هذا بدوره بالوضع البدني الداخلي المحتمل للشخص.
وقد قام المتخصصون بالطب الشرقي على إمتداد آلاف السنين برسم خريطة توضح تأثيرات الطاقة الكهرمغناطيسية وما ترتبط به من إنفعالات وعواطف، في أجزاء الجسم المختلفة، وكيف يظهر ذلك بوضوح على وجه الإنسان.
تاريخ ممارسة قراءة الوجه
كان الطب الصيني التقليدي ولا يزال يُعتبر طبّاً وقائياً إلى حد بعيد. ويرمي إلى محاولة التنبؤ بظهور مشكلة صحية قبل أن تتحول إلى مشكلة خطيرة. وقد بنى المتخصصون في مجال الطب صيتهم الذائع على أساس معرفة طول عُمر مرضاهم وندرة تَعرُّضِهم للإصابة بالمرض.
لقد تمّ تطوير العديد من التقنيات لتشخيص البدايات المبكرة لمرض ما، ولا زال يستخدم بعضها اليوم في عمليات علاجية، كالوخز بالإبر والطب بالأعشاب. ومن أكثرها شيوعاً قراءة الوجه، وتشخيص وتيرة النبض، وتشخيص حالة اللسان، وتحديد نقاط الضغط، وقراءة خطوط الكف، ومراقبة الوضع النفسي للمريض وتصرفاته.
كانت قراءة الوجه تتم عبر التاريخ من خلال النظر إلى كلٍّ من ملامح الوجه ومقارنته بموقعه في الوجه وحجمه ومدى سيادته حيثما ينطبق ذلك، والبنية العظمية الكامنة، ولون البشرة وتركيبها. ويتصل كل جزء من أجزاء الوجه بعضو معيّن وبالعواطف والإنفعالات المرتبطة بذلك العضو.
نظرية العناصر الخمسة
من بين النماذج النظرية الأولى التي استخدمت، كانت نظرية العناصر الخمسة. ويحتمل أن تكون العناصر الخمسة قد انبثقت كجزء من التقويم الزمني الخاص بالمزارعين، حيث يتصل كل عنصر من العناصر الخمسة بموسم مختلف من السنة. وإضافة إلى ذلك، يتم وصف الأشهر والأيام باستخدام تلك العناصر. وبذلك يمكن أن تساعد هذه العناصر المزارعين في معرفة الوقت المناسب لغرس البذار والزرع والحصاد.
ومع مرور الزمن، بدأ تطبيق هذه العناصر على الناس وشخصياتهم وأوضاعهم الصحية. فقد يُعتبر شخص ما أنّه يملك قدراً أكبر من طاقة فصل الربيع وشروق الشمس والخشب، ويتسم بشخصية ترتبط بصورة أكبر بالمناخ والجو في ذلك الوقت من السنة واليوم. وبشكل مماثل، فالشخص الذي يتصف بقدر بالغ من طاقة الصيف الحار ومنتصف النهار والنار، يتعرّض للتوتر والضغط النفسي بسهولة، ويجد صعوبة أكبر في التوصُّل إلى الشعور بالهدوء والسكينة؛ الأمر الذي قد يسهم في نهاية المطاف في إصابته بأمراض القلب.
*المصدر / موقع (البلاغ)
|
|