الشكّ ومشكلة التخلف
|
*يونس الموسوي
العلم يسبق العمل، ولكننا نعمل قبل اليقين فنسقط في الشبهات والشكوك والظنون، فنفسد العمل وتفشل النتيجة!
وعندما يتحدث الأئمة الأطهار صلوات الله عليهم عن خطورة الشكوك نظن أنها تفسد عقائدنا فقط، والحال أنها تفسد حياتنا برمتها، فهي تنخر في العمل وتهد أركانه إلى الحد الذي يصبح فيه عديم الفائدة، وهذا حال كثير من المسلمين الذين يعملون ولا ثمرة في أعمالهم، وإذا بحثنا في أسباب ذلك الفشل لوجدنا أنه كان ممزوجاً بالشك والريبة. بينما العمل الذي يُبنى على العلم واليقين هو يحمل معه عناصر نجاحه معه، فإضافة إلى كونه قائماً على الحقائق العلمية هو يدعم العامل له بكل العوامل النفسية المشجعة على تحقيق الموفقية والنجاح، وهنا يكمن الفرق الأساس بين عمل مبني على الشك ومثبط لعامله وعمل آخرمبني على اليقين ومشجع لصاحبه، أيهما أقرب إلى النجاح؟
نريد تطبيق هذه النظرية على واقعنا، وهل نحن من أصحاب اليقين أم من جماعة المشككين؟ وماذا كانت نتائج المسيرة التي اتبعناها؟ وهل تمكنا من تحقيق أهدافنا أم لا؟
للأسف لم تكن المسيرة التي اتبعناها مبنية على أساس العلم واليقين وكان من نتائج ذلك هو الوضع الذي نعيشه اليوم، لأن العلم لاينتج إلا النور والرحمة، بينما لايصدر عن الشك إلا الهزيمة النفسية والدمار.
ونحن الآن نتقدم بخطوة واحدة فقط عن الماضي المظلم الذي كان يعيشه آباؤنا، وذلك أننا نعيش فترة الحرية التي تسمح لنا بالتفكير مجدداً في أوضاعنا من أجل كسب العلم واستعادة حقوقنا المسلوبة. وإذن، لدينا فرصة لاستعادة هويتنا الحقيقية، بأن نبدأ مسيرة البحث عن العلم الذي ينفعنا للدنيا والآخرة، وهذا العلم موجود في معارف أهل البيت صلوات الله عليهم، غير أنه يفترض بنا تحويل هذه المعارف إلى لغة عصرية تكون مفهومة لدى جميع الناس من أكاديميين أو عمال ومزارعين، بل وتحويل تلك المعارف إلى قواعد علمية نافعة للدنيا قبل الآخرة.
فكثير من الأحاديث الموجودة في بطون الكتب لم يطلع عليها إلا القليل هي تحتوي على مفاهيم وحقائق علمية في شتى مجالات الحياة من إقتصاد وإجتماع وتاريخ وسياسة وأخلاق. ولابد أن تجلس مجاميع ولجان عالية المستوى من ذوي الكفاءات والاختصاصات لتحويل تلك القيم والمبادئ إلى صيغ علمية معاصرة.
نعود ونقول بأن تحويل القيم والمبادئ من صفة العمومية التي هي فيها، إلى أنظمة وقواعد علمية، هوالكفيل بإخراج أمتنا من حالة الشك إلى اليقين، فالشيعي على سبيل المثال وعلى مدى السنين الماضية لم يكن يتجرأ إعلان هويته المذهبية – في بعض المناطق- أو لايتجرأ في الحديث عن معارف أهل البيت صلوات الله عليهم نتيجة حالة الشك التي فيها، فإذا تمكنا إظهار حقيقة علوم ومعارف أهل بيت النبوة صلوات الله عليهم، لخرج هذا الشخص من حالة الشك وتحول إلى اليقين، ومن ثمّ سيظهر هذا اليقين في تفاصيل حياته الجزئية وانعكس على حياته الاجتماعية، وسنرى حقاً وصدقاً نموذجاً شاملاً ومصداقاً حقيقياً لأمة الإسلام التي بشرّ بها القرآن الكريم وقال "خير أمة أخرجت للناس".
لكن كيف نصبح خير أمة...؟ هذا هو السؤال.
عندما تتكامل لدينا المعارف الشاملة بصفات هذه الأمة، ومن ثمّ نعمل على تحقيقها في واقعنا المعاش، يمكننا القول اننا خطونا في هذا الطريق. ولكن للأسف بعد مئات السنين من الظلم والاضطهاد وتحكم قيم الجهل والتخلف في أمتنا فقدنا الصورة الحقيقية لأمة الإسلام التي أرادها الله عزوجل وبشرّ بها النبي الأكرم صلى الله عليه وآله.
وحتى نستعيد تلك الصورة علينا أن ندرس مبادئ وقيم أهل بيت النبوة صلوات الله عليهم، ونقرأ سيرتهم بعناية حتى نعرف التطبيقات اللازمة لإنشاء أمة الحضارة.
وبعد ذلك؛ تعالوا لنعرف نتائج الأمة التي تركن إلى الشك وتستسلم إلى سلطته! وأبرع من فصّل في هذا المجال هو أمير المؤمنين علي بن أب يطالب عليه السلام، فهو في هذا الحديث الذي سنأتي على ذكره يمزج بين علمين: علم المنطق وعلم النفس فيقول: (والشك على أربع شعب: على التماري والهول والتردد والاستسلام...).
فالشك من علم المنطق والتماري والهول والتردد والاستسلام من علم النفس، وهنا ملاحظة هامة، حيث نجد التقارب الكبير بين الثوابت العقلية لدى الفرد وبين سماته النفسية.
وعندما نقول بأن تخلف الأمة منبعه الشك، فالدليل أن الشك يزرع كل عوامل التخلف في الأمة، فالإنسان المرائي ليس على يقين في اعتقاده، لأن العقيدة تأمره بالإخلاص، بينما هو يفتقد اليقين في قلبه، فلو كان متيقناً لكان مخلصاً في عمله.
وصاحب اليقين لايصيبه الهول ولاتأخذه مهابة الأشياء، فهو في ساحة المواجهة لايهاب شيئاً لأنه على يقين بما كتبه الله عزوجل للمؤمنين والمجاهدين في طريقه، لذا نجد أن الذي في قلبه ذرة من الشك لايقدم على الجهاد، ويهاب العدو ويصيبه التعب والجزع عند المواقف الصعبة.
وصاحب اليقين لايكون متردداً في الإقدام على المهمام الكبرى، وبخلاف ذلك نجد أن صاحب الشك، ضعيف لا يقوى على أداء حتى المهام الصغيرة التي توكل إليه، ويأتي لذلك بشتى المعاذير والتبريرات، فهو هنا لايقدر على عمل شيء.
وصاحب اليقين أيضاً لايستسلم حتى وإن جره يقينه إلى ساحة الإعدام، فهو يأبى الرضوخ والاستسلام للواقع السيئ وهو لذلك في حالة من الحركة والنشاط الدائب لتغيير ذلك الواقع الظالم والفاسد، ولهذا تجد أن حياته كلها حالة جهاد من أجل تثبيت قيم الحق والعدالة.
لننظر قليلاً إلى واقعنا العام ونتساءل هل أن عوامل اليقين متحكمة في حياتنا أم تسيطر علينا عوامل الشك؟
ليس هناك من صعوبة في الإجابة عن هذا التساؤل، وليس من العيب أن يعترف المرء بواقعه المرير لكن العيب وكل العيب أن يبقى المرء أو تبقى الأمة على حالها السيء أبد الدهر!
لقد كشف لنا الإمام علي عليه السلام أهم عوامل التخلف في الأمة وهي التي تقودها إلى أسوء وضع يمكن أن تعيشه، فالمراء يعني إنتشار النفاق في الأمة، والهول يعني الجبن والتردد يعني الكسل، والإستسلام هو القبول بالظلم، وكل هذه الصفات السيئة منبعها الشك بمعارف أهل بيت النبوة صلوات الله عليهم.
|
|