ادعوني استجب لكم
|
*صادق الحسيني
حينما يدعو الانسان ربه العظيم فإنّ هذا النداء يمثل ارتباط الانسان الضعيف بالرب القوي العزيز، و دعاء العبد الفقير للمولى الجليل و اتصال المملوك الفاني بالمالك الباقي وهكذا... تكون هذه اللحظات عظيمة إن تجاوزت لقلقة اللسان الى اعماق الانسان.
ومن الجدير بالاهتمام اختيار الانسان لما يدعو به سواء ما يتصل بالمحتوى أو الاداء و الآداب، فالطفل الصغير لا يدعو الا للحصول على مزيد من الالعاب ليتسلّى بها، والاسير يدعو للافراج عنه و المريض يدعو لشفاءه و الفقير يدعو للغنى، و الحاكم يدعو لاستمرار هيمنته، وهكذا يكون مدار اهتمام كل شخص بما تدور عليه حياته وهو امر طبيعي، ولكن ليس هو الغاية الاسمى في الحياة، فهناك من يسمو دعاءهم عن هذه الدنيا الفانية فيطلبون لا كما يطلب الآخرين ويدعون لغايات فضلى.
لنتعلم من دعاء المؤمنين وخاصة ماذكر منه في كتاب الله المجيد، ولكن ما علاقة القرآن الكريم بالدعاء ؟ نعرف ذلك من معرفة حقيقة كلاهما، امّا الدعاء فهو بكلمة، ما ينادي به الانسان ربه و امّا القرآن فهو ما يخاطب الله عبده فعلاقة القرآن بالدعاء هو أنّ كلاهما ارتباط بين الله و العبد المؤمن ولكن احدهما من جانب الرب و الآخر من جانب المربوب، فإذا اردت أن يكلمك الله فاقرأ القرآن الكريم و اذا اردت ان تكلّم الله فادعو، و ما الصلوة المذكورة في الرواية الّا بمعناها اللفظي وهو الدعاء، و اذا كان القرآن الكريم يدعونا الى الدعاء في قوله تعالى: "وقال ربكم ادعوني استجب لكم" (غافر /40)
فهو الذي يبين لنا من جهة اخرى سبل الدعاء وذلك امّا بذكر دعاء الصالحين للاقتداء بهم، أو بأمره للنبي الأكرم (ص) ومن خلاله لنا بترديد بعض الادعية كقوله تعالى: "وقل رب اعوذ بك من همزات الشيطين" (المؤمنون /97)، وهذا من رحمة الله على عباده.
أصناف الداعين
وبصفة عامة تنقسم أدعية القرآن الكريم بلحاظ الداعين بها الى عدة اصناف:
الصنف الاول: منه ما دعاه الانبياء ابتداءاً من آدم أبو البشر(ع) الى النبي الخاتم سيد الرسل (ص). و بينهما دعاء نوح و هود و يحيى و زكريا، و ابراهيم دعا ربه قائلاً: "رب اجعلني مقيم الصلوة ومن ذريتي ربنا و تقبل دعاء" (ابراهيم /40). و يوسف حينما ادى رسالته و جاء باهله نادى ربه مبتهلاً وقال: "رب قد آتيتني من الملك و علمتني من تأويل الاحاديث فاطر السموات و الارض أنت وليي في الدنيا و الآخرة توفني مسلماً وألحقني بالصالحين" (يوسف /101). وموسى بعدما امر بتبليغ رسالته الى فرعون قال: "رب اشرح لي صدري ويسّر لي امري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي" (طه /25-28).
كل دعاء يتضمن من الآفاق و المعاني ما يحير أولي النُهى و الابصار.
الصنف الثاني: هو دعاء الملائكة حينما يدعون للمؤمنين: "ربنّا وسعت كل شيئ رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتّبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم" (الغافر /8).
و اما الصنف الثالث: فهو دعاء المؤمنين لأنفسهم يقول ربنا: "ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنّا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا و كفّر عنّا سيئاتنا و توفنا مع الابرار" (آل عمران 193). وهكذا عشرات الادعية المذكورة في القرآن الكريم التي تلخص غاية هدف الصالحين على الرغم من وجود ادعية اخرى لديهم الّا انها لم تذكر في القرآن لعدم انتفاعنا منها سواء قضيت لهم ام لم تقض.
|
|
