إدمان الإنترنيت و دهليز الصمت
|
*إعداد / ايمان عبد الامير
بالرغم مما يقال عن (الانترنت) من انه وسيلة سريعة لنقل المعلومة عبر الاثير حول العالم، وانه يعد احدى الابداعات الخارقة للعقل البشري، الا ان هذا لم يمنع ظهور السلبيات والاسقاطات على مستخدم هذه الوسيلة ألا وهو الانسان نفسه، فبدلاً من ان يكون (النت) وسيلة مساعدة لتطور الانسان وتقدمه في جميع شؤون حياته، نلاحظ انه في كثير من الاحيان يترك آثاراً سيئة عليه لاسيما على الصعيد الاجتماعي، والسبب انه سيكون الجليس والنديم، وهو بذلك يكاد يطيح بالكامل بالجليس القديم للانسان ألا وهو الكتاب. والمشكلة اليوم أخطر من الكتاب بكثير، فعندنا الأسرة وعندنا الزوجة والاولاد والالتزامات الدينية والاجتماعية وغيرها من شؤون المجتمع، كل ذلك سيكون تحت رحمة الشاشة الصغيرة الجذابة بتنوعها الامر الذي يجعلنا حقاً ان نخشى على ابنائنا وبناتنا من دهليز الصمت.
لماذا (الانترنت)...؟!
كما يقال: (قبل ان تلعن الظلام اشعل شمعة)، ونحن نقول: علينا القاء نظرة على (الانترنت) لنرى ما يحمل ويقدم بما لا يقدمه الآخرون في المجتمع، حتى ان ابنائنا وبناتنا بل وجميع افراد المجتمع اليوم يلجأون اليه ويجلسون أمامه بصمت ولساعات طويلة؟ علماً اننا نتحدث عن التأثير بشكل عام في مجتمعاتنا الاسلامية، فهنالك تفاوت بين هذا المجتمع وذاك في مستوى الادمان على (الانترنت) حسب الظروف والامكانيات وايضاً العوامل المساعدة للادمان. – مثلاً- لم نصل في العراق حتى اليوم الى مستوى الدول الاخرى التي تشكو من ادمان واسع على (الانترنت)، وقد ظهرت على السطح آثار وافرازات هذا الادمان على شكل حالات طلاق وعزلة ومشاكل اجتماعية اخرى.
هنالك سببان رئيسان – حسب الظاهر- وراء ابتلاء الناس بهذا الادمان: الاول اجتماعي عام، والاخر عاطفي.
السبب الاول: عندما تتراجع المكتبات العامة والمراكز الثقافية والدينية النشطة، فمن الطبيعي ان يلجأ الانسان المتعطش للعلاقات مع الاخر، الى الشاشة الصغيرة، ليبحث فيها عن الصديق والمعلومة بغض النظر عن النوع والصنف فهذا يعود الى نوعية ذلك الانسان وتوجهه في الحياة، لكن بشكل عام نغفل بشكل عجيب احياناً عن خصلة مفطور عليها الانسان وهي (التعايش) فاسمه مشتق من حالة (الإنس) فهو يأنس بغيره بدافع الفطرة الالهية. ثم ننتبه الى هذه النقطة عندما ينزلق هذا الانسان صغيراً كان أم كبيراً، رجلاً كان أم امرأة في دهليز الصمت امام الشاشة الصغيرة، فحينها يكون العلاج عملية صعبة.
في بعض البلاد العربية بات الحديث عالياً عن ضرورة افتتاح مصحّات لمدمني الانترنت! على غرار مصحّات لمدمني المخدرات او التدخين. احدى المهتمات بهذا الشأن تنفي المقارنة بين مدمني المخدرات ومدمني (الانترنت)، لفوارق منها التأثيرات الجسدية المباشرة والآثار النفسية والاجتماعية الخاصة بمدمني المخدرات، لكنها في الوقت نفسه تؤكد مشاركتها في مساعدة مدمني (الانترنت) على الاقلاع او التقليل من هذه العادة الضارة، وذلك في مركز صحّي خاص.
وفي حديث صحفي معها تقول الاستاذة الجامعية والدكتورة في علم النفس أمل المخزومي، ان الذين يأتون الى مركزنا لا يتلقون علاجاً بالعقاقير الطبية، إنما يتلقون النصائح والتعليمات من خلال جلسات حوار معهم، لكن الدكتورة المخزومي لا تعطينا النسبة المطمئنة لنجاح هذه الفكرة مع مدمني (الانترنت)، لاسيما مع معرفتها بالاسباب الحقيقية التي دفعت بهؤلاء الى الشاشة الصغيرة وابعدتهم عن واقعهم السيئ الى واقع أسوء واكثر خطورة.
السبب الثاني: ويتعلق بالعلاقات الموجود داخل محيط الاسرة، فقد تسببت ظروف العمل الصعبة ومشاكل التعليم ومجمل الاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بحدوث انقسامات في كيان الاسرة بحيث بات كل فرد يفكر بطريقة خاصة لحياته ومستقبله، ولا علاقة له بالآخرين حتى وان كان الاخر هو الأب او الأمن. من هنا يكون البديل المخاطب في هكذا اسرة هو الشاشة الصغيرة، حيث يجد المدمن ضالته من العاطفة والحنان والاستشارة والفكرة الجميلة – في ظاهرها-، وحسب الاحصائيات الموجودة فان معظم المدمنين على (الانترنت) هم الاناث ومن مختلف الاعمار، وذلك بسبب وجودهن في البيت الى جانب الامكانات المتاحة والسهولة في اقتناء (الانترنت) في مقدمتها جهاز (اللابتوب) وخطوط الاشتراك المتوفرة وبقدرات عالية لاستقبال الاشارة، فيكون هذا الجهاز في حجر الشاب او الشابة في غرفة النوم بمنزلة الاخ او الاخت او احد الابوين في عملية المحاورة وتبادل الافكار والهموم.
العلاج بمساعدة الانترنت
من غير المنطقي والمعقول وضع القيود والحدود أمام الشاشة الصغيرة، فقد ثبت بالتجارب فشل هذه الطريقة، بل هي خاطئة بالاساس، لأن (كل ممنوع متبوع)، مع علمنا بالفوائد التي تحملها لنا هذه الوسيلة الالكترونية المتطورة، فانها يمكن ان تكون ايضاً وسيلة لمساعدتنا على اتباع الطريقة الأسلم للاستفادة منها، وذلك عندما نتخذها قناة لمتابعة الاخبار او المقالات والكتب، او لسماع المحاضرات الدينية والثقافية، اضافة الى خدمة البريد الالكتروني وحتى نوافذ الصداقات ضمن الاطر الخاصة بعيداً عن الفوضى والعبثية.
بهذه الطريقة وضمن هكذا اجواء ودّية بين أفراد الاسرة الواحدة، يمكننا الدخول على بعضنا البعض بنصائح واقتراحات مقتبسة من قيم اخلاقية ودينية، وبالنتيجة نحطم جدار الصمت فيما بين افراد الأسرة الواحدة، فالحديث عن الحرام والحلال واسباب الحرمة وعلّة التشريع، يترسّخ في الاذهان عندما يلاحظ الانسان الفارق الكبير بين المحتويات الدينية لبعض المواقع وبين المحتويات المضلّة والرخيصة للبعض الآخر من المواقع، بل يمكن للشاب والشابة ايضاً الارتقاء اكثر ومعرفة الدوافع وطريقة دسّ السمّ بالعسل في الطرح الثقافي والسياسي لكثير من المواقع، ثم الردّ عليها وتسجيل حضور فاعل ومكثف من المرتادين على المواقع لكن بصفة ناقد بصير وليس متابع متأثر ومنساق.
|
|