الاثارات الاعلامية والتأثير الكاتم للصوت
|
*محمد علي جواد تقي
اتذكر دائماً الكلام الظريف لاحد الاصدقاء وهو يشير الى الطريقة غير السليمة لتنظيف شوارع المدينة، بقوله: (سمعنا بالنظافة لكن لم نراها باعيننا)! نعم؛ لابد من مشاهدة التجربة عن قرب، ثم ملاحظة ظروف نجاح هذه التجربة، ومقارنتها مع ظروفنا الراهنة للتحقق من النجاح في بلدنا. وهذه قصة زملائنا في الاعلام عندما يحرصون على التحدث بلغة الحقيقة والتي هي بالاساس مجموعة اثارات مشجعة على القراءة والمتابعة من قبل المخاطب على صفحات الجرائد او على الشاشة الالكترونية او الفضائية، وإلا لا يجهل الاعلاميون اليوم ان الحقيقة أو المعلومة هي إما تتعلق بمصلحة الدولة أو بمصلحة افراد المجتمع، وإذن؛ فان الاعلامي وبشكل تلقائي سيأخذ الحيطة والحذر من نشر هذا الخبر او تلك المعلومة. ولذا فان خبراً موضوعه (سرقة) لكن ليس من قبل انسان عادي وإنما من مسؤول كبير، تُصنف في خانة الاثارات الاعلامية، واذا اراد المحرر الدفاع عن هكذا خبر فانه بالحقيقة يدافع عن عملية تكريس حقيقة الفساد الاداري الذي لا يجهله أحد، ويصدق الامر على الفساد الاخلاقي. هذه الحقيقة المرّة تتحول تدريجياً الى واقع يعيشه ابناء الشعب كما تعيشه مؤسسات الدولة والموظفين الى جانب المسؤولين الكبار، وإذن؛ لن نكون قد أنجزنا شيئاً بكشفنا هذه (الحقيقة) سوى أضفنا ارقاماً للمتابعين لهذه الصحيفة وذاك الموقع او الفضائية، بينما المعروف ان الحقيقة في جانب منها تسوق المجرم الى حبل المشنقة لينال القصاص لا ان يفر من يد العدالة، وهذا ما جرى لمنفذي جريمة (التاجي) المروعة عام 2006 علماً ان الحقيقة لم تستنفذ اغراضها إلا بعد ان ينال المجرمون عقابهم. أما الجانب الاخر يكمن في ملابسات الحدث وخلفياته ومسبباته، والكشف عن هذه الحقائق هو الذي سيحدّ من تكرار السرقات والانتهاكات والجرائم. صحيح ان الكشف عن منفذي جريمة التاجي يُعد انجازاً أمنياً، لكن علينا متابعة الدوافع الحقيقية لارتكاب هكذا جريمة ربما تكون نادرة في العراق رغم ما شهد من اعمال ارهابية واجرامية خلال السنوات الماضية. ربما تكون الدوافع طائفية او سياسية او حتى نفسية، كما نعرف ان نسبة كبيرة من عمليات التفجير والاغتيال والاختطاف في بغداد والمحافظات لها دوافع شخصية او ثأرية او غير ذلك مما هو بعيد عن السياسة تماماً.
ان الفترة التي أمضاها العراقيون كافية باعتقادي لأن يشهدوا نقلة نوعية نحو اعلام بنّاء يظهر الحقائق التي تضيئ الطريق امامهم للبناء والاعمار بعيداً عن المطبّات والاسقاطات، ولا يدور في دوامة الاثارات التي باتت تثير الاشمئزاز واليأس والاحباط بعد ان (بلغ السيل الزبى) كما هو المثل العربي القديم في نشر الفضائح والاثارات على شكل اخبار على الطريقة التقليدية التي عفى عليها الدهر (المثير هو رجل عض كلباً وليس كلب عضّ رجلاً)، وكل اعلامي يحترم المهنة ويقدس الرسالة الاعلامية وهي الدفاع عن الحق والحقيقة ومخاصمة التزييف والتضليل، يعرف ان ليس كل مثير قابل للنشر، نعم... ربما هذه القاعدة الاعلامية – الخبرية مألوفة في الغرب، لكن لنسأل انفسنا: هل رسالة الاعلامي في اوربا وامريكا هي نفسها التي يحملها الاعلامي العراقي؟ لنفترض ان هناك من يدافع عن فكرة نشر كل مثير بذريعة الكشف عن المفسدين في الجوانب الاخلاقية او المهنية او حتى في الدين ايضاً، فهل هذا الكشف او هذه الحقيقة ستشجع المقاول على ادارة مشروع عمله بامانة؟ وهل ستردع الطالب عن الغش في الامتحان ليتمكن من دخول الجامعة والحصول على الشهادة والوظيفة؟ بل هل نعتب بعد هذا على عامل البلدية عندما يجلس الى جانب القمامة مع اصحابه وينفثون دخان السجائر ويتسامرون بدلاً من التنظيف والعمل؟ او نعتب على من يكمل معاملته في أي دائرة او مؤسسة حكومية من خلال (الرشوة). كل هذا وغيره يحملنا مسؤولية الحفاظ على الروح الايجابية في المجتمع العراقي قبل ان نفكر بنشر الاخبار السلبية التي تقتل هذه الروح بهدوء وصمت.
|
|