لدعاء في القرآن الكريم
"ادعوني استجب لكم"
|
*صادق الحسيني
الذين يعيشون في غياهب السجون أو في ظلمات حكومة الطاغوت أو يعانون من الفقر و الذل و الهوان و الامراض، هم الأكثر حاجة للدعاء والتوسل الى الله القادر المتعال لينقذهم من ازماتهم ومحنهم، بيد ان الله تعالى فتح أمام هؤلاء وسائر البشر باب الدعاء لتتصل قلوبهم بنور ربّهم مباشرة، و ينهلون من نبع التوحيد الأصفى ما يمدّهم بالرجاء و الثقة و الاستقامة قال ربّنا: "وَ قالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ"، ولكنّ لاستجابة الدعاء شروط أولها خلوص النية، فأن تخلص لله نيتك و أن تنقطع اليه من كل عوالق الشهوات و الاهواء، وأن تدعوه وحده دون شريك فذلك يعني قرب استجابة الدعاء كما قال سبحانه: "وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَ لْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ". و لعلّ في كلمة "إِذا دَعانِ" إشارة الى هذه الحقيقة، كما نجد تصريحا بذلك في قوله "فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي".
من هنا لا يستجاب دعاء الكافرين لأنهم لا يدعون الله بل إنهم يدعون ما يعبدون من اصنام ظاهرية ام خفية يقول الله تعالى: "قل ادعو الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم و لا تحويلاً" (الاسراء /51)، وقال تعالى: "فادعو و ما دعاء الكافرين الّا في ضلال" (غافر /50).
و قد يظنّ البعض انه يدعو الله، لكن في الحقيقة يدعو غيره و في هذه الحالة لا يستجاب الدعاء ايضاً، وقد سأل قوم الامام الصادق (ع) قائلين ندعو فلا يستجاب لنا ؟ قال عليه السلام: لأنكم تدعون ما لا تعرفون .
و انما الذي يستجاب دعواه هو من اخلص لله و دعاه لأن الله وحده من يستجيب الدعاء و شرط الاستجابة أن تدعوه وحده ايضاً و لا تشرك به شيئاً .
حالات الاضطرار ليست دائمة
ما نلاحظه ان البعض يرجع ويئوب الى رشده دونما ارادة منه او ايمان عميق، فيتصل قبله بالرب و يخلص لله في دعواته وفي هذه الحالات ايضاً يستجيب الله لدعاءه، ذلك حينما الانسان بمصيبة فانه يعلم يقيناً بأن غير الرب لا يمكن أن ينجيه منها. كأن جلس جنب مريض أسلم الاطباء فيه أمره الى القدر او أن يكون وسط البحر وتتحطم السفينة وتكون نهباً للعواصف ثم على وشك الغرق، او يكون على متن طائرة بين الارض والسماء وتحصل عطلات واختلالات كما يحصل مرات عديدة، هنالك ينقطع قلبه الى الباري عزوجل ويدعوه من غير شريك و لا فرق في ذلك بين المشرك و الكافر او الزنديق او المنافق فانهم جميعاً يتوجهون بخشوع الى الله ليستجيب لهم الله برحمته الواسعة التي وسعت كل شيء يقول ربنا تعالى : "فاذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلمّا نجاهم الى البرّ اذا هم يشركون" (العنكبوت /65)، وهذه هي مشكلة الانسان، وإلا فان الله غني حميد لا تنقصه كثرة العطاء إلا جوداً وكرماً، وبامكانه وقدرته اغداق النعم والخير والسعادة على كل البشر، لكن هذه هي حكمة الحياة وسنة الابتلاء التي سنّها لنا الله تعالى.
من هنا علينا أن نستهلم درساً من الآيات القرآنية بأن نخلص لله تعالى حين ندعوه، فلا طبيب ولا سلطان ولا ملك ولا عشيرة ولا مال ينقذني سوى الله تعالى، دعنا لا نتعلق بهذه الاصنام العاجزة في قبال رب الارباب. و قد رُوي أنّ مشركاً كان ساهراً في احدى الليالي الطوال و كان يدعو لعلّ صنمه يجيبه و يناديه: (يا صنم...! يا صنم...!) وهو في هذا الحال و اذا بلسانه قد اخطأ الصواب و في الحقيقة انه اصاب حينما قال و عن طريق الخطأ (يا صمد) منادياً الله تعالى وهنا جاءه النداء من الرب لبيك عبدي. وكانت هذه الزلّة او العودة الى الطريق الصواب مفتاحاً لهدايته الى النور، لذا علينا ان نخلص لله تعالى ونناديه باسماءه الحسنى ليستجيب لنا دعاءنا فإنه مجيب دعوة العباد .
|
|