من نتبع ....؟ رجل السلطة والمال أم رجل السنّة النبوية؟
|
*كريم الموسوي
الجاهلون يردّون على الله من حيث لايعلمون عندما يداهنون القوي في المجتمع وإن كان منحرفاً وخارجاً على التعاليم والقيم، بينما القرآن الكريم واضح في هذا المعنى وهو يصدر حكمه الصريح في هذا المضمار من دون أي تردد، فالقرآن الكريم يوضح في هذه الآية الكريمة: "وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا" (الكهف /28)، فهذه الآية واضحة في عدم جواز إتباع وطاعة المنحرف من الذين يتخذون أهواءهم أرباباً من دون الله. ان الانحراف ربما يكون عنواناً لمؤسسة تجارية أو دائرة حكومية أو منطمة حزبية أو حتى ربما يكون عالماً أو اي انسان آخر، فليس من حق شخص مهما كانت مرتبته ودرجته اجبار الناس على اتباعه، لأن القرآن الكريم صرّح محدداً ذلك بالله وحده لا غير، وان كان لشخص هكذا توجه فلابد وأن يأخذ الشرعية لحكمه وإمارته من الله تعالى، فالأرض لله يورثها من يشاء من عباده، في حال توفر الشروط .
والاتباع، ليست ميزة يحصل عليها الرجل المؤمن، بل هي مسؤولية تدل على طريق خاص يريده الله عزوجل وهو طريق الهدى، فالنبي الاكرم صلى الله عليه وآله لايفرض الطاعة على أتباعه من أجل أن يتأمر عليهم أو يحظى بميزة خاصة، وإنما هو يفعل ذلك لأن لديه علامات طريق الهدى، وهذا هو الفرق الأساس بين من يصح اتباعه وبين من لايصح، فالأول يهديك عند اتباعه إلى طريق الهدى وفي خاتمة الأمر إلى جنة الخلد، أما الثاني فهو لا يهدي إلى شيء، لأن غاياته فردية وطموحاته تقتصر على ما يراه مناسباً لمصلحته، وهذا ينطبق على أناس كثيرين نظنهم أهل صلاح وفلاح ولكنهم يتبعون الهوى والمصالح الحزبية والسياسية.
فالقائد الحقيقي المسنود من قبل الله عزوجل وطاعته تكون مقبولة، هو القائد المتجرد عن كل أنا، ويكون في خدمة المبادئ والقيم وأيضاً في خدمة الأمة، فلو نظرنا إلى سيرة نبينا الاكرم صلى الله عليه وآله سنجده المثل الأعلى والأبرز للرجل المتفاني في دينه والمضحي بكل ما يملك من مشاعر ورغبات وأحاسيس في سبيل تحقيق رفعة الدين والأمة.
وعادةً ما نرى السياسيين يقضون أعمارهم في العمل السياسي حتى يصلوا إلى المواقع القيادية عندها يبدأون بمرحلة جمع الغنائم، ولسان حال احدهم يقول: (لقد أفنيت عمري في السياسة وحان وقت قطف الثمار والاستفادة من الفرصة المتاحة والذهبية، وأحقق الأماني التي كنت أصبو إليها...).
نقيض هذا النمط من الساسة نقرأ عنه في سيرة أميرالمؤمنين صلوات الله وسلامه عليه نلاحظ أن توليه لمسؤولية القيادة جاءت بضغوط الرأي العام وبحكم ظروف استثنائية فكان امام المسؤولية الرسالية التي لم يبتعد عنها قط، فهو عليه السلام عندما تزعم قيادة الأمة الإسلامية لم يذق طعم المأكولات اللذيذة وإنما كان طعامه يتراوح بين الخبز مع اللبن أو الخبز والملح.
هذه صورة وحالة القائد الأحق بالاتباع، وهناك صور أخرى تعرضها شخصيات أخرى تزعم أنها على الهدى والإيمان، كصورة معاوية بن أبي سفيان الذي كانت مائدة طعامه تشتمل على ما لذّ وطاب من كل الأصناف، إذن هناك صورتان لمنموذجين من القيادات، وعلينا أن نتفحص ونبحث عن القائد الحقيقي الذي سيوصلنا إلى الأهداف التي نرغب في تحقيقها في الدنيا والآخرة.
فكل القادة يزعمون أنهم على صواب ويريدون الخير لأمتهم والرفاهية لشعوبهم، لكن القليل منهم هو الصادق فيما يقول، ونحن نلاحظ أن أوضاع العالم تجري من سيئ إلى أسوء، فهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على كذب إدعاءات هؤلاء الزعماء الذين يسيئون التصرف أكثر من أن يحسنوا، أما إذا رأيتم القائد وقد حقق الانجازات في عهده فاعرفوا إنه القائد الصادق الذي يستحق قيادة الأمة.
طبعاً؛ المشكلة ان البعض تشكل عليه المسألة عندما يرى رجل السلطة والمال يشمل برعايته وهباته فئة او شريحة من المجتمع فيجدون فيها القائد والحاكم العادل والحسن، لأنه لا يأكل وحده إنما يشرك الآخرين معه!! فتحصل المشكلة الجديدة وهي صنع غطاء جديد لاسقاطات ومثالب السلطة وابعادها عن أعين الناس، وحتى ان رأوها يعذرون السلطة ولا ينهضوا لادانتها.
وهناك إشارات واضحة في القرآن الكريم أن يكون القائد على صلة بالسماء، ومعنى ذلك هو التأييد الإلهي للقائد في كافة قضاياه الدينية والسياسية والعسكرية وغيرها، فالقرآن الكريم يقول: "وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ" (البقرة /120). ومعنى ذلك أنه سيخسر الدعم والعون والمدد الإلهي إذا اتبع أهواء أولئك الضالين، فالقائد هو بحاجة إلى الدعم الإلهي حتى يستطيع أن يقود الأمة إلى سبل النجاة، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يتبع أمر الله في كل صغيرة وكبيرة.
وهذه الفكرة تقودنا إلى حقيقة في غاية الأهمية وهي أن تصحيح المسار القيادي لدى الأمة يأتي من قبل الله تعالى، فلو أراد الله عزوجل بأمة خيراً بعث لها قائداً صالحاً، أما لو كانوا ضالين ومبتعدين عن الإيمان والتقوى، فإن الله سيبعث لهم قائداً ضالاً لاينفعهم ولاينفع نفسه، والقرآن الكريم يقول: "وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً" (النساء /83). فالله سبحانه وتعالى هو الهادي لمسيرة المؤمنين وهو الذي يبعث إليهم الهداة والمرشدين، حتى لايضلوا ويبتعدوا عن طريق الإيمان، فنسأل الآن ونقول لماذا إذن إنحرفت الأمة الإسلامية؟ ولماذا حدث هذا الاختلاف بين المسلمين؟
الواضح من القرآن الكريم أن هدى الله في الأرض هو عبارة عن منهج متكامل شارك في تطبيقه رسول الله (ص) يعني أن الذي يطلب هدى الله لابد أن يسير على منهج رسوله: "وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ" (غافر /38) فهم لن يهتدوا إلى سبيل الرشاد إلا باتباع رجل الإيمان، وآية أخرى "قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ" (آل عمران /31) وهنا أن محبة الله لهم مشروطة باتباع النبي، وآية ثالثة "وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ" (الأنعام /153) فإذا كان صراط النبي مستقيم، فلماذا إذن أصبحوا فرقاً وجماعات ومذاهب؟ أن صراط النبي مستقيماً.. انما الأمة هي التي انحرفت عن ذلك الصراط؟
ولو قرأنا التاريخ جيداً سنجد أهم شرط وضعته الشورى بعد الخليفة الثاني لولاية علي بن أبي طالب صلوات الله عليه أن يتبع سيرة أو سنة الشيخين.. فرفض الإمام فزويت عنه الامارة! إذن... لم يكن صراطاً واحداً ولم تكن سنةً واحدة بل كانت سنة رسول الله وسنة أبي بكر وسنة عمربن الخطاب!
|
|