في طريق (الهدى)
|
*محمد علي جواد تقي
بديهي أن نبحث عن سبب الخطأ والمسؤول عنه لإصلاحه في مجمل حياتنا اليومية - المادية، فالخطأ قد يحصل في وسائل المعيشة، او في ميدان العمل او التعليم وغيرها، وحتى لا يتحول هذا الخطأ الى مشكلة او (اشكالية) حسب تعبير البعض، ثم عقدة، ثم ازمة تأخذ بخناقنا وتحيل الحياة الى جحيم.
لكن ماذا عن حياتنا المعنوية...؟ مثلاً، في دوائر العلاقات الاجتماعية؛ الزوجية ، الاسرية، الانسانية. او في دائرة العلاقة بين المجتمع كله وبين المؤسسة الحاكمة للبلد. اذا كان من السهل جداً الكشف عن مواطن الخلل في الحالة الاولى وايضاً حلها وتجاوزها، فانها لن تكون كذلك مع الحالة الثانية، وهذا ما يثير التساؤل؛ فالحالة الثانية أولى وأهم لانها تعني بالمجموع والمصير المشترك، لكن العجب يزول عندما نعرف ان الحالة الاولى تعني بالفرد ومصلحته الخاصة المحدودة ولذلك لا يتردد في الاصلاح والتغيير حتى وان كان هو السبب، بل يسارع للتعويض مهما كان الثمن، أليس كذلك...؟!
هنا يأتي دور الاعلام المتلزم والمسؤول الذي يأخذ على عاتقه البحث عن إجابة للحالة الاولى الآنفة الذكر، والتي دوخت المفكرين والمثقفين والمصلحين الاجتماعيين، حتى بلغت الحالة ببعضهم انهم يخشون الحديث عن خطأ هذه الظاهرة او انحراف ذلك السلوك، لفقدان المعايير الثابتة التي تحدد صحة هذا السلوك او تلك القيمة في المجتمع والدولة ايضاً، الامر الذي دفع بالكثير من الناس ان يتفقوا على حقانية اختلاس المقاول لمقدار معقول من المال عندما يلتزم بالموعد المقرر لانشاء جسر او بناء مدرسة او إكساء شارع. كما كنا في السابق نسمع ان شارب الخمر انسان شريف عندما يدافع عن اعراض وحرمات ابناء محلته...! ثم جاء دور الحاكم ليستفيد أيما استفادة من هذه المعادلة الغريبة، ويكون محبوباً مع ظلمه وطغيانه ودمويته، عندما يوفر الامن والاستقرار والطعام والسكن للناس، وفي هذا الحيز المحدود لن نتمكن من الاستعانة – للأسف طبعاً- من النصوص الدينية التي تفند بالكامل هذه الرؤية والمعادلة. وما يعنينا هو الآلية التي نكتشف بها الخطأ الجماعي – ان صح التعبير- كما اكتشفنا طريقة حل الخطأ الفردي، فاذا تمكن المخطئ من إصلاح خطأه ببساطة وسرعة دون ان يلتفت اليه أحد، فان الجميع هم الذين يجب ان يصلحوا الخطأ المتعلق بهم جميعاً، وهذه هي معادلة النجاح التي سنّها الله تعالى في الحياة، ومن دون ذلك نكون مصداق الآية الكريمة: "واتقوا فتنةً لا تصيبنّ الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا ان الله شديد العقاب" (سورة الانفال /25). وهذا هو طريق النبي الاكرم والأئمة المعصومين صلوات الله عليهم، فقد عاشوا بين الناس وبينوا ونشروا بل وضحّوا بارواحهم في النهاية ليعرف الناس المعايير الصحيحة التي من خلالها يفلحوا في حياتهم ثم في آخرتهم وحياتهم الابدية.
لقد كتب المصلحون وألف المفكرون في مسائل الفرد والمجتمع والسياسة والاقتصاد ومختلف نواحي الحياة، وقدموا رؤى بعضها مصيبة وبعضها لا، ويبقى الشكر موصولاً لهذا الجهد الفكري والثقافي العظيم. أما الاعلام (الملتزم والمسؤول) منه، فهو الوسيلة الاكثر قرباً الى ذهن الانسان وقلبه و روحه، وتكون على عاتقه مسؤولية كبيرة وخطيرة في آن. فالكِبر في الابعاد، والخطر في الممارسة العملية والبحث عن سبل النجاح، لان عليه في هذا المضمار حمل (الهدى) الى الناس، وهي ليست فكرة او نظرية، إنما هو سبيل الله تعالى، "قل إن الهدى هدى الله" (سورة آل عمران /73). فاذا يخترق ضوء الشمعة الصغير ظلام الليل البهيم، فان (نور الهدى) يطيح بالضلال ويقوّم الانحراف أينما كان. لكن كيف تحصل هذه المعجزة...؟! عندما يتحمل الجميع من خلال (هدى الله) مسؤولية الجميع، وإلا نكون كمن يشاركون في حفلة تنكرية لا يعرف أحدنا الآخر، ونتبادل النصائح والتوجيهات وحتى الاتهامات الصحيحة منها والخاطئة، ثم يعود كلٌ الى بيته وحالته السابقة. طبعاً؛ الامثال تضرب ولا تقاس. وعذراً للجميع.
|
|