حفظ حجّة الله بالحجّة
|
*يونس الموسوي
لله عزوجل على الناس حجتان: (العقل والرسالة)، فالحجة الظاهرة متمثلين بالانبياء يمنحها تعالى لبني البشر ليخرجهم من الضلالة إلى الهدى، فقد بعث الله سبحانه الأنبياء والرسل عليهم أفضل الصلاة والسلام ليؤدوا عنه رسالته ويبلغوا شرائعه وأحكامه، وأرسل معهم الكتاب ليبينوه للناس ويفسروا آياته ويفصلوا أحكامه.
لكن ما أن ينقضي عهد من الرسالة، ومدة من عمرها، ويذهب النبي والرسول إلى جوار ربه حتى يبدأ الناس بتغيير ما كتب الله عليهم وتحريف ما جاءهم من التنزيل، فيغيروا الأحكام ويحرفوا الآيات حتى يصبح الكتاب شيئاً من عند الناس وليس من عند الله وتصبح الأحكام وضعية من صنع الإنسان بعدما كانت سماوية من صنع الباري عزوجل.
فالكتاب وحده لن يحفظ نفسه بنفسه، فهو يتعرض للتغيير والتحريف كما يحدث لأي كتاب آخر، حتى وصل العهد إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وزمان إنبعاثه، وهو آخر الأنبياء ورسالته خاتمة الرسالات، وكان لابد أن يحفظ الله سبحانه وتعالى هذا الكتاب العظيم وهو (القرآن المجيد) من محاولات التزييف والتحريف، وقد نزلت آيات تذكر ذلك وتؤكد بأن الله سيحفظ هذا القرآن من أي تحريف أو تزوير، ولكن يحدث ذلك؟
حفظ القرآن لايكون إلا بالحجة، وقد اختلف المسلمون من بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، في القرآن حتى جمعوا ما مقداره سبعة أضعاف هذا القرآن الذي لدينا، وكان كل واحد من الصحابة يقرأ القرآن بحرف وبصورة مغايرة عن الآخر فأصبح هناك قرآن لعبد الله بن مسعود وقرآن لكعب بن أبي وقرائين أخرى...! وكان كل واحد يبتعد عن الآخر بُعد المشرق والمغرب، حتى أخذ بعضهم يكفّر الآخر نتيجةً لذلك!
وفي عهد الخليفة الثالث جُمع القرآن مرة أخرى ولكن هذه المرة جُمع وصحح على يد أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب سلام الله عليه، والكتاب المجيد الذي بين أيدينا هذا اليوم، هو نسخة من ذلك الكتاب الذي ضبطه عليه السلام، وهكذا ينبغي أن يكون، (الحجة لايتمها إلا حجة) ومعنى ذلك أن القرآن الكريم وهو حجة الله لم يكتمل ولم يصحح إلا على يد حجة الله وهو أميرالمؤمنين الإمام علي بن ابي طالب سلام الله عليه. فهو (القرآن الناطق) وهو أعرف الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله بكتابه العزيز، ولهذا هم لم يستطيعوا جمعه ولاتفريقه ولم يتمكنوا من التمييز ما بين قرآن وغيره حتى أدخلوا في الكتاب ما ليس منه، فجمعوا سبعة أضعاف هذا القرآن الذي لدينا وأخفوه عن أعين الناس.
ولو افترضنا عدم وجود الإمام علي عليه السلام، إذن لكان القرآن الذي بأيدينا ليس هو الذي نزل على النبي محمد صلى الله عليه وآله، وإنما كتاب من صنع عبدالله بن مسعود وكعب بن أبي وغيرهم، فكل واحد من هؤلاء كان لديه قرآن لنفسه، ولكنا مثل المسيحيين، لكل حواري من حواريي النبي عيسى (انجيل) يختلف عن الاناجيل الاخرى. بل لكادت حروب التكفير تندلع بين المسلمين، كما حصلت ايضاً بين المسيحيين المعروفة بحروب (الكثلكة) التي أزهقت فيها عشرات الآلاف من الارواح.
وهنا نفهم بالضبط تلك الأحاديث التي تبين فضائل أهل بيت النبوة، فإضافة إلى مواقف سابقة ولاحقة، فإنه في هذا الموقف فقط نعرف أن للإمام علي عليه السلام حقا على كل مسلم ومسلمة، وهم يجب أن يتذكروا هذا الحق عندما يقرأون كل آية من آيات الذكر الحكيم، فلولا إلامام علي عليه السلام لكانوا اليوم يقرأون كتاباً غير القرآن الكريم النازل من عند الله تعالى.
ولمّا نقول بأن القرآن حجة على المسلمين، فمعنى ذلك أنه شاهد عليهم وما يقترفون، فإذا كان الكتاب محرفاً أو مغيباً، أو تمت إضافة كلام إليه، فهو عند ذلك سيفقد الحجية، ولن يكون شاهداً على الناس، لكنه سيكون كذلك إذا تمت حجته بحجة الله في الأرض الذي يحفظه من أي تغيير وتحوير، وبهذا الشكل فقط تمت الحجة البالغة، ومن هذا الباب فقط نفهم كيف أكمل الله عزوجل الدين بالإمامة عندما قال "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا" (المائدة،3) وقد نزلت بعد حادثة الغدير.
فالدين لا يكون كاملاً إلا بالإمامة، والقرآن العظيم لن يكون حجةً على البشر إلا بأميرالمؤمنين سلام الله عليه، ليس فقط لأنه هو الذي حفظه من التزوير والتحريف والتغيير، بل لأنه هو المفسر لمضامينه والمبين لخصائصه، والكاشف عن تأويلاته.
وهذه القضية كبيرة بحجم القرآن نفسه، ذلك ان المسلمين لم يؤمروا بتفسير القرآن، بل فرض الله عليهم أن يأخذوا تأويله ممن لهم علم بالكتاب وهم الراسخون في العلم، ومن حق أي مسلم أن يتساءل ويقول من هم هؤلاء الراسخون في العلم؟ هل هم صحابة الرسول صلى الله عليه وآله من مثل عبدالله بن مسعود وكعب بن أبي وغيرهم الذين جمع كل واحد منهم قرآناً غير قرآننا؟
وهل الراسخون في العلم هم ابو بكر وعمر بن الخطاب وزيد بن حارثة ممن جمعوا قرآناً بحجم قرآننا سبعة أمثال؟!
لاشك أنهم ليسوا المقصودين بالراسخين بالعلم، ولو كانوا كذلك ما اختلفوا في الكتاب، وما زادوا وما نقصوا منه، فالراسخون في العلم هم الذين لديهم علم الكتاب لذا هم الأقدر على تبيين وإظهار آياته وتفسير معانيه، وهكذا كان أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب سلام الله عليه الذي أظهر بقرآنه وعلمه زيف الكثير من العبارات والجمل التي أدخلت إلى القرآن على إنها آيات من الكتاب.
وإذا كان المرء عاجزا عن معرفة وتمييز القرآن عن غيره من الكلمات، كيف سيتمكن من تفسيره أو تأويله؟
بالطبع هو لايتمكن من ذلك، لأن هذا الأمر بحاجة إلى علم واسع يضطلع به الإنسان حتى يقدر على بيان كتاب الله، وهذا العلم هو عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإذا تساءلنا عمن كان تلميذاً عند رسول الله(ص)؟ ومن الذي أخذ العلم من النبي الأكرم (ص)؟ سيكون جواب جميع الفرق الإسلامية وحسب ما لديها من الأحاديث والروايات هو الإمام علي بن أبي طالب سلام الله عليه الذي تعلم على يد رسول الله ألف باب من العلم يفتح له من كل باب ألف باب.
ومن هنا، فإذا اختلف المسلمون في تفسير آية أو تأويل أخرى، فإنه عليهم أن يرجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، وإن لم يجدوا عنده تفسيراً أو تأويلاً لذلك فعليهم أن يرجعوا من بعده إلى أميرالمؤمنين سلام الله عليه، وليس لأحد من المسلمين أن يقول ما يشاء ويفسر القرآن برأيه، فإنه سيأتي يوم القيامة وهو مغلول بتلك الكلمات التي جاء بها، فإن صحّت فلن يثاب عليها لأنه أتى بها برأيه، وإن لم تصح فحسابه عسير لأنه خالف الأمر الالهي.
|
|