قسم: الاول | قبل بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

الانسان على خطٍ رفيع نحو (ولاية الله)
*يونس الموسوي
القرآن الكريم يبين لنا ملامح فئات ثلاث في المجتمع لابد وان ينتمي كل انسان إلى احدى تلك الفئات، سواء عن وعي أو غير وعي:
الفئة الاولى: الفئة الكافرة بالله، والمتحدية لسلطانه، والجاحدة له، والمصرحة بذلك.
الفئة الثانية: هي التي تدعي الإيمان ولكن من دون تصلب كاف، ووعي مناسب، فاذا اصيب احدهم في الله بمصيبة صغيرة أو كبيرة انقلب على وجهه، وارتد عن دينه وتوجه إلى الكفر.
الفئة الثالثة: الفئة المؤمنة التي ترتبط بالله تعالى نظرياً وعلمياً.
وهكذا فان القرآن الحكيم يبين الاختلاف المبدئي الحضاري الوحيد بين الفئات البشرية على وجه البسيطة، وقد جاء ذلك في سورة الحج، كما جاء في سورة البقرة وسور اخرى في القرآن الكريم، وفي كل منها يبحث القرآن جانباً من الموضوع ويؤكد على الجوانب الاخرى.
ورغم كل تلك التأكيدات والتلميحات التي تدعو الإنسان إلى اختيار طريقه وتعيين موقعه، فان قارئ القرآن قد يغفل عما جاء فيه من وصف لتلك الفئات، وقد لا يمكنه ان يصنف نفسه ويعرف موقعه من الفئات التي ذكرها القرآن الكريم.
الفئة الوسطى
ان اغلب الناس هم من الفئة الوسطى، فليسوا من الجاحدين لكي يتحدوا ملكوت الله وسلطانه، وليسوا من المؤمنين المخلصين الثابتين على الدين، بل انهم بين وبين...! فهم يعبدون الله "على حرف"، أي انهم على حافة الطريق، كمن يمشي على حافة طريق جبلي، فربما تأتيه عاصفة أو حتى نسمة هواء فيسقط في الهاوية ولا يستطيع العودة إلى ما كان عليه. اننا إذ نعيش في ظل القرآن الحكيم، انما نعيش في مهرجان للحب الالهي، ففي كل جانب منه، ونهاية مئات الآيات، وبداية السور هناك تأكيدات على اسماء الله الحسنى فهل استلهمنا من ذلك المعين حتى نعرف الله حيث عرف نفسه؟
إن من عرف الله عبده، ومن لم يعرفه لم يعبده. وكيف يعبد رباً لا يعرفه؟ وان لم يعبد الله فما حسبه ان يعبد؟
العبادة هي الطاعة
وليس المقصود من العبادة هنا ان نولي وجوهنا قِبَلَ المشرق والمغرب، وان نسجد ونركع ظاهراً. انما العبادة بحقيقتها، والتي هي هدف الخلقة "وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون"، وبذلك فان العبادة الحقيقة هي الطاعة الحقيقة، وهل يمكن ان يطيع المرء من لا يعرفه؟
ان بعض الناس يعبدون الاصنام من حيث لايشعرون، من قبيل الجنس والجاه والمال والمنصب وسائر مظاهر الحياة، ثم يزعمون انهم يعبدون الله من خلال أدائهم الفرائض وإظهار بعض العلائم الدالة على التديّن، وحينما اقول: (بعض الناس) فأني لا اقصد الذين يعيشون في الغابات، أو الذين يعيشون في كوكب (نبتون) مثلا، انما الناس هم نحن... وكل من يعيش الحياة الطبيعية، فالكلام ليس بعيداً عن ذواتنا وعما نعيشه في حياتنا.
إذن؛ عبادة الله تعني طاعة الله وهذه تعني قبول ولاية الله الحقيقية على الانسان، وولاية الله صعبة مستصعبة لا يتحملها الا مؤمن امتحن الله قلبه للايمان.. فانظر إلى نفسك، وتساءل هل ان الله امتحنك؟ وهل دخلت في معترك الحياة واصبت بمصيبة حقيقة ثم تجاوزتها إلى الإيمان؟ فان لم تكن كذلك، فانك ممن قال عنه ربنا: "ومن الناس من يعبد الله على حرف، فان اصابه خيراً اطمأن به". فمادام الله يعني الحرية والرفاه والسيارة والبيت و..... فنحن مع الله، واذا كان الله يعني المواجهة والصعاب وكلام الناس، وأذى الاصدقاء وشماتة الاعداء، فلا نعبد الله!
ان من يستطيع الادعاء بانه يعبد الله حقاً، هو ذاك الذي اصابته الفتنة، ولم ينقلب على عقبيه، وانما اطمأن قلبه بالايمان، بل كلما ازدادت المصائب عليه ازداد ايماناً، وذلك هو المؤمن الحقيقي.
ولاية الله
إن ولاية الله تعني ايديولوجية في الفكر واستراتيجية في الحياة، وتكتيكاً في التصرفات. انها تعني ولاية الله في العقيدة والعمل والسلوك.
اولاً: التوحيد في العقيدة..
انك ترى الله محور الكون في الفكر والاعتقاد تأثيراً ونهاية. فلا تفكر في السياسة أو الاقتصاد أو الاجتماع اذا لم تكن هذه الامور وغيرها تدور في غير محور التوحيد. مثلا: حتى لو طرحوا عليك مسألة رياضية، لا تتقدم لحلها الا إذا كانت تدور حول محور التوحيد. والابداعات الفنية التي تبديها من نفسك، لا بد وان تدور حول محور التوحيد، وكذا اللون الذي تختاره لبيتك، يجب ان ينبعث عن اعتقادك بالله سبحانه وتعالى، ومن ثم فان كيانك الفكري يجب ان يعتمد على محور التوحيد وقاعدته.
اذكر الله تعالى دائماً، فالله اكبر شهادة. ولا تنظر إلى شيء، الا وتنظر إلى الله قبله وبعده ومعه، وهذا هو معنى التوحيد في العقيدة، وهكذا كان أمير المؤمنين عليه السلام عندما قال: (ما رأيت شيئاً إلا ورأيت الله قبله وبعده ومعه).
ثانيا: التوحيد في العمل..
وهي قبول ولاية الله سبحانه وتعالى في اعمالك، فلا تعمل الا بما امر به الله، وبالاسلوب الذي امرك به، وبذات الطريقة، لا بطريقتك الخاصة وبنمط تفكيرك أو تفكير الآخرين.
يقول ربنا سبحانه وتعالى: "يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه ذلك هو الضلال البعيد" (سورة الحج/ 12)، فيجب ان تبحث في ذاتك وسلوكك وتتساءل مع نفسك عن هذا الموضوع قبل ان تفوت الفرصة. فكر في نفسك... هل انك تدعو الله وترجوه وتتوكل عليه وتخافه، ام انك تدعو وترجو وتتوكل على مصدر آخر ؟
ان (الصنم) هو كل شيء تحبه وتتعلق به، فيكون حبك ليس في الله، وانما لمصلحتك. فقد يكون (الصنم) حاكماً قوياً لكن ظالماً، أو مالاً تفتخر به، أو ولداً تتباهى به، أو قانوناً فاسداً تخضع له، أو شخصاً لا ينتمي إلى (ولاية الله) أو قد يكون انسانا معتقداً بالله ومنتمياً له، ولكنك لا تتخذه وسيلة بينك وبين الله، وانما تتخذه (صنما) فتنصره، وتؤيده وتقبل كلامه لانه (فلان بن فلان...)!
يقول الامام الصادق عليه السلام: (ادنى ما يخرج الإنسان من حد الإيمان إلى حد الكفر، هو ان ينصب بينه وبين الله، دون الحجة فيتبعه فيما يقول.