أعظم الناس حسرة يوم القيامة
|
*طاهر القزويني
سُمي يوم القيامة بيوم الحسرة، لأن البشرية تتحسر في ذلك اليوم؛ كافرين ومؤمنين، فالكافرين لأنهم سيلاقون العذاب الأليم، أما المؤمنين فإنهم يتحسرون على قلة ما حصلوا عليه من مكاسب وامتيازات لأنهم لو كانوا قد ضاعفوا من أعمالهم لحصلوا على درجات أرفع من التي حصلوا عليها، لذا فهم يتحسرون على ما فوتوا من أعمارهم و أوقاتهم في غير طاعة الله، ويتمنى الواحد منهم أنه لو كان بذل العمر كله في طاعة الله حتى يحصل على أرفع الدرجات في الجنة.
فيوم القضاء سيكون يوم الحسرة حسب هذه الآية الكريمة: "وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ..." (سورة مريم/ 39). فهذا القضاء سيكشف ما لدينا من نقاط قوة، والواضح من هذه الآية إن الجميع سيصابون بالحسرة عندما يبدء القضاء. ومن هذه الباب جاء النداء من جانب رب العزة لنبيه الكريم (ص) ولكل من يقوم بعمل الدعوة لطريق الله أن ينذروا الناس بيوم الحسرة، فالانذار يكون للخطر الداهم على البشرية، مثلما يأتي المنذر من مكان بعيد بخبر اقتراب العدو نحو المدينة، فهو ينذرهم بالخطر الداهم عليهم، وأن عليهم الاستعداد لمواجهة هذا العدو قبل أن يدخل إلى عقر دارهم ويجلب لهم الذل والعار. وكذلك الدعاة إلى الله هم مسؤولون عن اخبار الناس بالحدث الذي ينتظرهم عندما ينتقلون بالموت إلى عالم الآخرة، فمن حق هؤلاء الناس أن يعرفوا ماذا ينتظرهم من مصير!
لكنهم كيف سيتحدثون عن يوم الحسرة وهم لم يشاهدوا ذلك اليوم ولم يعرفوا حجم خطره، فهم حتى وإن قرأوا الأحاديث والآيات عن ذلك اليوم فإنهم لن يستطيعوا أن يصفوه كما هو من الرهبة والرعب، وهذا ما يمكن أن يفتح المجال أمام الفن لأن يجرب ساحة المعنويات وتجسيد ذلك اليوم أو المشهد الأخروي للمشاهد سواء على الشاشة الصغيرة، حيث الأسرة متحلقة حول جهاز التلفاز، أو على الشاشة الكبيرة، أو حتى على الانترنت، في كل الأحوال، لابد من نهضة اعلامية – فنية في هذا الاتجاه، لرفع مستوى الانسان معنوياً، حيث يكون صاحب شعور وإدراك لما يؤول أمره بعد هذه الحياة الدنيا الفانية، وهو يشاهد الموت كل يوم وباشكال مختلفة.
أول الناس ندامة يوم القيامة هم الذين لم يتبعوا سنة الرسول (ص) ومالت بهم أهوائهم نحو مصالحهم وارتباطاتهم، ولم يسيروا على الصراط المستقيم الذي رسمه رسول الله وأهل بيته عليهم صلوات الله وقد جاء ذكر هؤلاء المنحرفين عن سيرة الرسول وآل بيته عليهم السلام في القرآن الكريم: "وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا" (سورة الفرقان/ 27)، فهذا كان يعرف الإسلام ويعرف الرسول (ص) إلا إنه عارض رسول الله وسار في غير سبيله.
ومن أعظم الناس حسرة يوم القيامة كما ذكر أمير المؤمنين صلوات الله عليه هو ذلك الرجل الذي يجمع الاموال ويدخرها لكي يسعد بها فيسبقه عزرائيل عليه السلام فلا هو الذي سعد بماله ولا هو الذي كسب ثواب المال، فيأتي ابنه الصالح فيأخذ المال ويبذله في سبيل الله ويكسب ثوابه، وتزداد حسرة الأب انه هو الذي أجهد نفسه وتعب في تحصيل المال لكنه لم يستفد منه دنيا ولا آخرة، أما الابن الذي كسب الثواب على الصدقة التي قدمها دون أن يرهق نفسه في تحصيل ذلك المال، وفي ذلك سئل أميرالمؤمنين (ع) من أعظم الناس حسرة؟ قال: (من رأى ماله في ميزان غيره، فأدخله الله به النار، وأدخل وارثه به الجنة) بحارالانوار، ج103، ص15.
وأن أشد الناس ندامة يوم القيامة هم أعوان الظلمة والسلاطين وكل من باع آخرته بدنيا غيره، فهؤلاء لم يسعدوا في الدنيا وإنما عملوا في خدمة الظلمة والطغاة، وارتكبوا جرائم من أجل إرضاء زعمائهم، فمنهم من قام بقتل الناس واغتصاب حقوقهم، و بعضهم من عمل في سلك الشرطة وآخرون في دوائر الأمن ومؤسسات الحزب الحاكم، فهؤلاء الذين باعوا دينهم من أجل دنيا الطاغية، فلاهم سعدوا في الدنيا، ولاهم الرابحون يوم القيامة، وقد شاهدنا في زمن الطاغية صدام الكثير من هؤلاء الذين كانوا يستميتون في الدفاع عن الطاغية صدام، وقد أخذهم إلى القبور قبل أن يلحق بهم في آخر الأمر.
بالإضافة إلى ما ذكرنا فإن من أعظم الناس حسرة يوم القيامة؛ رجل يعرف الحق ويذكر الناس به ويوصيهم بالإلتزام به كالخطيب أو الكاتب أو الناصح بشكل عام فهو يعرف الحق ويدعو الناس إلى الالتزام به، لكنه لا يطبق على نفسه ولايلتزم بما يقول! حتى تحين وفاته وينتقل إلى الحساب والكتاب ويرى أمامه أن فلاناً وفلاناً الذين كانوا يسمعون نصيحته دخلوا الجنة بفضل إرشاداته ونصائحه، ولكن لا يُسمح له بالمرور على الصراط لأنه خالف أقواله وعارض طريق الحق الذي كان يعرفه.
ويكون الإنسان أشد أسفاً عندما يقف أمام الله وهو في ذلك الموقف يتذكر ما فرطه في جنب الله، ويتمنى أن لو الأرض بلعته وما وقف هذا الموقف المخزي إذ إنه كيف سيجيب على أمور يعلم علم اليقين أنها حماقات صدرت منه ولامجال هنا للاستغفار منها ذلك انه اتيحت له فرصة الإستغفار في الدنيا فلم يستفد منها!!
|
|