قسم: الاول | قبل بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

الكذب السياسي
جمال البغدادي
يقول الواقع إن الكذب السياسي يتمتع بتاريخ مثير في المجتمعات الديمقراطية وليس فقط الدول الشمولية أو الديكتاتورية.‏ وتحمل السياسة معان كثيرة، بالمعنى العلمي تعني التغيير المنظم الهادف نحو تحقيق أهداف سياسية محددة بما يتوافق والقدرات والإمكانات المتاحة، أما في المعنى الشعبي فالسياسة تقترن في أذهان عامة الناس بعدم الصدق والخداع والكذب، ولذا يقال عادة في التعبيرات الشعبية:البعد عن السياسة راحة، والساسة منافقون كذابون والسياسي الكبير ليس إلا كذابا كبيرا .
هنا المعنى الشعبي يحمل السياسة مفاهيم ومعان بعيدة عن الصدق والأخلاق والفضيلة، ومن يتعامل مع السياسة يلجأ إلى كل أساليب التحايل والتزوير وخداع الناس، وأساليب التبرير والتسويف والمماطلة لتمرير هدف معين أو فكرة معينة أو حتى لتبرير قرار سياسي أو سياسة ما، وغالبا ما تكون فاشلة. وهنا الكذب السياسي قد يكون مبررا أو غير مبرر، و تبرز كتابات فلاسفة المدرسة الواقعية الذين يوظفون منطقهم ومقولاتهم حتى لو كانت غير حقيقية لتحقيق مصالح خاصة. وهو ما يفسر لنا الكثير من القرارات السياسية والحروب والصراعات، تحت ذرائع وحجج بعيدة تماما عن الصدق والأخلاقية وهذا يعنى من بين أمور ودلالات سياسية كثيرة أن قرارا بالحرب أو بالعدوان والقتل للمدنيين قد يبرر بالكذب أو ألإدعاء بأهداف نبيلة. والكذب السياسي له دلالات سياسية خطيرة أولها وأخطرها تعميق الاستبداد السياسي، والاستخفاف بعقول الأفراد فمن شأنه ان يلغي الشخصية الفردية الواعية والمسؤولة فيتحول الإنسان إلى ترس في عجلة كبيرة يردد ما يردده حكامه بوعي أو دون وعي ولذلك تلجأ مثل هذه النظم إلى تعطيل مؤسسات المسؤولية والمساءلة أو تحولها إلى أدوات في يدها، وتعطيل الحريات والحقوق المدنية .
ومن الدلالات الخطيرة انتشار ظاهرة الفساد وتحويلها إلى مؤسسة ضخمة، ومكافحته يصعب التغلب عليها بسبب ارتباطها المباشر بتلك القوى السياسية فهي تعتبر نوع من التستر على كذبها من جهة وللدعاية والترويج لها بمكافحة الفساد لكي تحسبها ورقة رابحة للمضي قدماً لكسب ثقة المواطنين، فيأتي الكذب على حساب قيم الفضيلة والأخلاق واحترام الشرعية السياسية. والخطورة في الكذب السياسي أنه يوظف في سياق مسحات تبشيرية أخلاقية وآمال متوقعة مما يؤدي بذلك إلى أن المواطن العادي هو الذي يدفع ثمن هذا الكذب الذي يقترفه الحاكم أو السياسيين وأخيرا لا يمكن محاربة الكذب السياسي إلا بالعودة والتمسك بقيم الفضيلة والأخلاق والصدق والحوار الذي يبحث عن الحقيقة وبالحوار الذي يسعى لخلق المواطن والمواطنة والانتماء والولاء للقيم وليس لأخلاقيات الحاكم الفرد.