أمير المؤمنين (ع) والعفو عند المقدرة
|
*مرتضى الموسوي
قال الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام:
(إن لم تكن حليماً فتَحلّم، فإنه قلّ مَن تشبه بقومٍ إلاّ أوشك أن يكون منهم)..
هناك صفات انسانيّة كريمة تحث الرسالة الاسلاميّة الناس للتحلي بها، لما لها من التأثير الفاعل والمصيري في حياة الفرد والمجتمع والمحافظة على سلامته نفسياً واجتماعياً ومن تلك الصفات والخصال الحميدة، صفة الحلم وتمالك النفس عند الغضب فالمتصف بهذه الصفة يعبر عن بلوغه إلى مرتبة راقيّة من الكمال الأخلاقي، ومستوى رفيع من قدرة السيطرة على النفس.
فصاحب هذه الصفة يتذوق معنى النصر وان كان في الظاهر منهزماً وخاسراً للموقف على عكس الذي تغضبه المواقف ولايتمالك نفسه فيها فهو يصبح في وثاق تصرفاته فلا يحصد إلا النّدامة والشعور بالفشل.
وأهمّية هذه الصفة لاتقتصر على شريحة دون أخرى أو شخص دون آخر، بل تزداد أهميته للإنسان من حيث تفوقه إجتماعياً أوإقتصادياً أو سياسياً فيقول الإمام: (ان لم تكن حليماً فتحلّم)، وتشير هذه الحكمة إلى نقطة حساسة من قضايا التربيّة النفسيّة وعلم الأخلاق وهي مسألة الشعور والتحسس بالوصول إلى الهدف في خصوص الصفات الأخلاقيّة والنفسيّة حيث أقّر الكثير من علماء النفس بأن من أبرز عوامل السعادة مثلاً هو الشعور بالسعادة ومن أبرز عوامل الشقاء هو الشعور بالشقاء أيضاً، وهكذا شأن الصفات الأخرى فمن يريد أن يتصف بصفة معيّنة عليه أن يوحي إلى نفسه أنه تقمّص تلك الصفة ومتصف بها فعلاً، كمقدمة للوصول إلى المقصود.
ومن هذه الصفات هي صفة الحلم ولقد شهد التاريخ بأن علياً أميرالمؤمنين عليه السلام هو المصداق الحقيقي لهذه الصفة، فقد ورد في الحديث: (لو كان الحلم رجلاً لكان عليا)، ولقد كان الإمام أميرالمؤمنين علي عليه السلام قمة في حلمه وعفوه عمن يسيء الأدب معه فهو لايعرف الغضب إلاّ حين تنتهك للحق حرمته أو يعتدى على حدود الله تعالى، أو يتعدى على حقوق الأمة وتنتهك مصلحتها العليا.
إن صفة الحلم والصفح عن المسيء لم تتغيّر، فقد رافقت الأمام قبل خلافته، وحين قيادته المباشرة للأمة، على أن عظمة الأمام (ع) تزداد قوة وجلاء حين يظل يصفح ويكثر من عفوه حتى مع أشد خصومه، في وقت يمتلك القدرة على العقاب والتشفّي من كل الذين أساؤوااليه خلال السنين التي أقصي فيها عن الخلافة.
أسر مالك الأشتر (رضي الله عنه) مروان بن الحكم يوم الجمل فلمّا مثّل مروان بين يدي الإمام (عليه السلام) لم يستقبله بسوء قط، وإنما عاتبه على موقفه الخياني فحسب، ثم أطلق سراحه، ومروان هو قمة في الحقد على الامام (عليه السلام) وهو في دسائسه ومكره، ودوره الخبيث في تأجيج الفتن في وجه الامام أشهر من أن نزيد على سيرته، فهو الذي عارض البيعة للامام عليه السلام وهرب من المدينة المنورة بعد البيعة مباشرة، وهو الذي ساهم في فتنة البصرة، وألهب الناكثين وأغراهم بالتعجيل بها.. إلى غير ذلك من مواقفه التآمرية الخبيثة.
وجيء بموسى بن طلحة بن عبيدالله، وكان طرفاً في فتنة الجمل فلمّا وقف بين يدي الإمام (ع) خلى سبيله، ولم يعنفه عن دوره في الفتنة، وإنما طلب منه أن يستغفرالله ويتوب إليه ثم قال: إذهب حيث شئت، وما وجدت لك في عسكرنا من سلاح أوكراع فخذه، واتق الله فيما تستقبله من أمرك وأجلس في بيتك.
ومن عظيم عفوه ما رواه الإمام الباقرعليه السلام قال: كان علياً (ع) إذا أخذ أسيراً في حروب الشام أخذ سلاحه ودابته واستحلفه أن لايعين عليه!
أرأيت موقفاً انسانياً كهذا الموقف؟ لقد كان الامام يعلم إن الذين يقاتلونه من أهل الشام إنما يقاتلونه وهم عن حقيقته غافلون، فقد أغراهم معاوية بالمال، وسدّ عليهم منافذ التفكير والوعي على الحقائق بما استخدمه من اساليب المكر والتضليل وبواسطة وعّاظ السوء وملفقي الأحاديث ممن باعوا ضمائرهم بدراهم معاوية.
وبناءًَا على هذا فان الامام علي عليه السلام، كان يرمي من وراء العفو فتح نوافذ المعرفة والوعي على جميع المسلمين وفي كل مكان حتى يلامسوا وجه الحقيقة ويحيوا عن بينة ويموتوا عن بينة أيضاً، فهو يعلمنا أن لا تتملكنا صفة الغضب والتوثب للتشفّي وحسب، وإنما النظر الى ما يرضي الله تعالى، وليس تحقيق مصالح خاصة وأنانية وتحقيق الذات أمام الآخرين.
|
|