النبي الأكرم والمساواة في الحقوق
|
إعداد / زكي الناصر
أعطى رسول الله (ص) لعلي بن أبي طالب (ع) اثنا عشر درهماً وقال: يا علي خذ هذه الدراهم فاشتر لي ثوباً البسه، قال علي بن أبي طالب (ع): فجئت الى السوق فاشتريت له قميصاً باثني عشر درهماً، وجئت به الى رسول الله (ص) فنظر إليه فقال: يا علي غير هذا أحبُّ الي، أترى صاحبه يقيلنا؟! أي هل تتصور ان صاحب هذا القميص يرضى باسترجاع ما اشتريته منه؟ فقلت: لا أدري، فقال (ص): انظر.. أي اذهب إليه وتبين الحال، يقول علي بن أبي طالب (ع): فجئت الى صاحبه فقلت: إنّ رسول الله (ص) قد كره هذا و يريد ثوباً دونه فأقلنا فيه، فردّ عليّ الدراهم وجئت بها الى رسول الله (ص) فمشى معي الى السوق ليبتاع قميصاً فنظر الى جارية جالسة على الطريق تبكي، فقال لها رسول الله (ص): ما شأنك؟ قالت: يـا رسول الله؛ إنّ أهـل بيتي أعطونـي أربعـة دراهم لأشـتري لهم بهـا حاجـة فضاعت فلا أجسر أن أرجع إليهم، فأعطاها رسول الله (ص) أربعة دراهم، وقال: ارجعي الى أهلك، ومضى رسول الله (ص) الى السوق فاشترى قميصاً باربعة دراهم ولبسه وحمد الله، وخرج فرأى رجلاً عرياناً يقول: من كساني كساه الله من ثياب الجنة، فخلع رسول الله (ص) قميصه الذي اشتراه وكساه السائل ثم رجع الى السوق فاشترى بالأربعة التي بقيت قميصاً آخر فلبسه وحمد الله ورجع الى منزله، وإذا الجارية جالسة على الطريق تبكي، فقال لها رسول الله (ص): مالك لا تأتين أهلك؟ قالت: يا رسول الله؛ اني قد ابطأت عليهم واخاف ان يضربوني، فقال رسول الله (ص): مري بين يدي ودليني على أهلك، فجاء رسول الله (ص) حتى وقف على باب دارهم، ثم قال: السلام عليكم يا أهل الدار فلم يجيبوه، فاعاد السلام فلم يجيبوه فاعاد السلام فقالوا: عليك السلام يا رسول الله ورحمة الله وبركاته.
فقال لهم: مالكم تركتم اجابتي في أول السلام والثاني؟ قالوا: يا رسول الله سمعنا سلامك فأحببنا ان تستكثر منه، فقال رسول الله (ص): إنَّ هذه الجارية أبطأت عليكم فلا تؤاخذوها، فقالوا: يا رسول الله؛ هي حرة لممشاك، فقال رسول الله (ص): الحمد لله.. ما رأيت اثني عشر درهماً أعظم بركة من هذه كسىا الله بها عرياناً، واعتق بها نسمة.
من هنا نستوحي ان رسول الله (ص) ما كره لبس القميص الأول لقيمته، وانما لأنه أراد أن يبين لنا إنَّ طريق التكامل والسير نحو الفضيلة لا يتحقق بلبس الاجمل، وانما يتحقـق بالعمل الحسن والسلوك الأجمل، وهذا لا يعني بأن لا يهتم الانسان بهندامه ومظهره بل عليه في قبال ذلك أن يهتم بأفعاله وتصرفاته أيضاً.
وهنا التفاتة جميلة ان رسول الله (ص) من خلال تعامله هذا يكشف بوضوح انه لم يفكر أبدا ان تشمله المنفعة له بالذات دون الآخريـن وان يحصر الخير في دائرته، وانما سيرته المباركة تحكي مساعي الرسول (ص) لايصال الخير والنفع للآخرين، ولا يغيب عن البال ان هذه الصورة تعكس حقيقة اتصال الرسول الأكرم (ص) المباشر بالمجتمع، اذ يمشي في قضاء حوائج الناس ويعمل لاسداء الخدمات إليهم دون ان يحجزه عن ذلك مقامه العظيم ومنزلته العليا.
|
|