قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

لنتخلص من التعب بعمل جديد
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة *طالب عبد الاله
الكثير منّا يتوقف كثيراً عند محطة (التعب) ويعد ذلك ضرورياً بدعوى الاستراحة أو استرجاع الانفاس وتجديد القوى و...غير ذلك، حتى بات من شبه المستحيل او من العجيب تجاوز هذه المحطة ومواصلة المشوار نحو الانجاز والانتاج.
تعب النفس يُتعب البدن
يقول سماحة آية الله السيد هادي المدرسي في كتابه (واجه عوامل السقوط) ضمن سلسلة النجاح: "ان التعب احيانا كثيرة، مجرد تعب من الرتابة، فاذا نوّعنا فانه سيرحل عنا غير مأسوف عليه..."، ويروي سماحته تجربته مع الكتابة وقد وصف (التعب) بان يجب ان يكون عند الانسان "ضيف غير مرحب به"، وكيف انه شعر بالتعب خلال تأليف إحدى كتبه، "وتعبت منه فقررت ان انتقل الى تأليف كتاب آخر، وليس الذهاب الى الاستراحة. وبدأت العمل بذلك عندما بدأت الكتابة عن موضوع جاد، وهام، وخطير وهو موضوع (الآخرة)، وما فيها من قضية الموت، وعالم القيامة، والجنة والنار، والثواب والعقاب. وبعد ساعات من البحث والكتابة، شعرب بالتعب فعلاً فتركت الكتابة في هذا الموضوع وانشغلت بالكتابة في موضوع (الترويح عن النفس). فجعلت من الكتابة استراحة عن تعب الكتابة فهربت من التعب الى التعب...! ونجحت الخطة تماما. حيث كنت اروّح عن نفسي بعد الكتابة عن موضوع الاخرة، بالكتابة عن موضوع (الترويح عن النفس). واستمرت الكتابة عندي ثمان ساعات، وكنت لا ازال في قمة النشاط..."!
والحقيقة هناك الكثير ممن يشعرون بالتعب يتسلل الى ابدانهم ويظهر في ملامح وجوههم لكن حين التحقيق في أمرهم نرى انهم لم يحفروا نفقاً وسط شارع، ولم يحملوا طناً من الحديد على اكتافهم، إنما هو التعب النفسي، وهو نوع من الانذار المبكر بأن هنالك شيئا لا يبعث على الارتياح، ولابد من معالجته. ولكن كيف؟
صحيح ان الاستراحة هي علاج التعب الجسدي. ولكنها بالنسبة الى التعب النفسي تزيده ولا تنقص منه.
فكيف نعالج اذاً التعب النفسي؟ هنا يكمن احد مفاتيح النجاح.
لنتعرف على أسباب هذا التعب.
ربما يكون الاخفاق في اداء الواجب المنشود واحدا من اكبر اسباب الاجهاد العصبي في حياة الانسان فليس هناك ما يوهن العزيمة اكثر من القصور عن النجاح والتخلف حيال جدار يسد الطريق ويحول دون التقدم فينتهي الامر بالدوران في حلقة مفرغة: الفشل يولد التعب والتعب يبعث على استصعاب العمل وبالتالي يفضي الى الاخفاق. ويعاني المرء وطأة التعب في مجالين رئيسيين: تعب البداية، وتعب الاداء، ففي الحالة الاولى يستمر المرء في تأجيل الشروع في عمل هو ملزم على نحو ما بانجازه، وذلك اما بسبب طبيعة العمل المملة واما بسبب صعوبته، فيميل الى التهرب منه. وكلما طالت مدة التاجيل تزايد شعور المرء بالتعب.
تعب البداية: انه تعب حقيقي بالفعل، وان لم يكن في الواقع تعباً بدنيا ينتاب العضلات ويرهق العظام، ولهذا النوع من التعب - تعب البداية-، علاج جذري وسريع لكنه ليس بسهل التطبيق، لانه بحاجة الى تفعيل الارادة. فاذا كانت البداية متعبة، لنتصدى لها، فعندما تشعر بانك تأبى القيام بعمل معين، وتحاول ان تتنصل منه، فتدسه تحت كومة من الملفات الاخرى وكأنك تريد ابعاده عن ناظريك، فان افضل طريقة هو ان تستنجد بلحظة ارادة، وتقوم بإخلاء مكتبك من كل الملفات الا الملف الذي تريد ابعاده عنك، وتتصدى لانجازه قبل سواه على الاطلاق. فاذا اردت ان تتجنب تعب البداية فعليك ان تتصدى لاصعب المهمات. ولا بأس هنا بذكر تجربة مدير معهد البحوث الفلسفية في مدينة شيكاغو في ولاية ألينوي الامريكية، ورئيس مجلس تحرير (دائرة المعارف البريطانية) الذي التزم مع نفسه هذه القاعدة: (التصدي للاصعب).
يقول: "حينما كنت أعد للنشر سلسلة (الروائع في عالم الغرب) شرعت في كتابة مئة ومقالين يتناول كل منها الفكرة الكبرى التي ناقشها كل من مؤلفي تلك الكتب. وقد اسغرقت مني كتابة هذه المقالات التي كنت اعنى بها الى جانب اعمالي الاخرى، عامين ونصف عام، طوال سبعة ايام في الاسبوع، ولو كنت سمحت لنفسي بان اتصدى اولا للافكار التي بدت لي سهلة بالنسبة الى غيرها لما كنت انتهيت قط من ذلك العمل ولكنني التزمت بالقاعدة التي وضعتها لنفسي فصممت على ان اكتب المقالات بالترتيب الابجدي الصارم من دون ان اتخطى أي فكرة صعبة. وكنت ابدأ يومي دائما بالعمل الصعب الذي تمثله كتابة المقالات. وفي النهاية اثبتت الخبرة مرة اخرى ان هذا القاعدة مثمرة تماماً".
انك قد تشعر بالتعب لان هنالك مهمة ما لا بد من ادائها تضغط على اعصابك، والحل هنا ان تقتحمها وتنهيها، وتريح اعصابك. هذا عن تعب البداية.
وماذا عن تعب الاداء؟: ان ذلك اصعب من تعب البداية، لان الانسان في هذه الحالة لا يتقاعس عن الشروع في اعمال وانما يبدو قاصرا عن انجاز المهمة التي يقوم بها لاسباب نفسية بحتة.
انك حينما تواجه مشكلة ما وتشعر بانك غير قادر على التغلب عليها فلا ينفعك التفكير المباشر فيها، بل لابد حينئذ من ان تريح عقلك المباشر، لتستنجد بعقلك الباطني. فكما انك لو ضيعت شيئا، ثم لم تفلح جهودك في العثور عليه، فلابد من ان تترك البحث فترة، لتجد كيف ان عقلك الباطني يدلك عليه، كذلك الامر بالنسبة الى المشاكل التي تعترضك فتسبب لك تعبا نفسيا يمنعك من المواصلة.
ان في كل واحد منا طاقات ضخمة قد يمنع تدفقها سد نفسي عابر، فاذا ارحنا عقلنا بعض الوقت، فان هذا السد سوف ينهار لتبعث فينا الحيوية والنشاط وتطلق تلك الطاقات.
واذا ساورتك المشاكل المستعصية فعلا فهنالك طريقة نافعة يمكنك تجربتها لاثارة العقل الباطني، وهي ان تكتب على الورق جميع الاسباب التي تجعل المشكلة امرا غير قابل للحل فعلا، ثم حاول ان تحاصر نفسك فعلا، على غرار ما يفعله بعض السحرة حين يضع نفسه داخل صندوق محكم بحيث لا يبدو امامه اي منفذ ممكن وفي هذا الوضع فقط يمكنك الخروج من الحصار، حيث يفسح المجال لعقلك الباطني كي يعينك على حل المشكلة، وتأكد ان العقل الباطني لن يخذلك في تسع حالات من عشر ويوحي اليك بايجاد الحل.
وقد لا تكمن المشكلة في التعب، وانما في الظرف الاجتماعي بالذات، أو هكذا يبدو الامر وكأن الآخرين يقفون على نحو ما حجر عثرة بيننا وبين النجاح. وقد قال شكسبير: "ليست النقيصة في طالعنا وانما هي فينا نحن". ولماذا ننحي باللائمة على الاخرين ونتهرب من مسؤولياتنا في عدم سوء الفهم؟ ان النجاح في اداء مهمة ما معناه القيام بكل ما يستلزمه هذا النجاح، بما في ذلك كسب تعاون الاخرين.
ومن هنا فانه كثيرا ما يكون العائق الذي نصطدم به عائقا شخصيا محضاً، فنترك انفسنا نهبا لبواعث التشتت الانسانية ونتيح للمشكلات الشخصية ان تثقل كواهلنا بما يؤدي بنا الى (التعب الفاشل) الذي يصد امامنا سبل الانتاج في كل مجال.
ان اول خطوة ينبغي ان نخطوها هي ان نتخذ من التعب الذي يتعذر تعليله ولا يعود امره الى سبب بدني نذيرا يحملنا على رد هذا التعب الى مصدره الحقيقي، فنجد في البحث عن الهزيمة التي نحاول سترها ولا نبغي الاعتراف بها. وعلينا بعد ذلك ان نشخص سبب هذا الفشل. وقد نجد في بعض الحالات النادرة ان المهمة في حقيقة الامر صعبة التحقيق وانما تتجاوز طاقتنا. فاذا كانت الامور كذلك فما علينا الا ان نسلم بحقيقة الوضع ونعتذر عن المضي فيه. وقد تكون العقبة كامنة في تأبينا مواجهة المشكلة وهنا يكون الحل في معظم الحالات، توجيه اهتمامنا بصبر ومثابرة الى العمل المطروح ومعالجته بكل ما نملك من مهارة وعزم، مع الاعتماد على الهام عقلنا الباطني.
واما الخطأ الاكبر فهو ان نعتبر التعب العقلي وكأنه تعب بدني. ففي حال التعب البدني، نستطيع ان نبرأ منه بان نتيح لاجسامنا فرصة الراحة لكن التعب العقلي الناتج عن الفشل فلا يمكن التخلص منه بالاستسلام له واللجوء الى الراحة لان ذلك يزيد المشكلة تعقيدا.