قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

الحُسين (ع) يجمع والسياسة تفرّق
*محمد علي جواد تقي
ما الذي يجمع كل هذه الاعداد الهائلة من البشر في مناسبة أربعين الامام الحسين عليه السلام؟
في العام الماضي كان عدد المواكب والهيئات قد بلغ 4000 آلاف، وربما هذه السنة سيفوق هذا العدد بكثير، فترى الشباب والشيوخ في كل مكان حول كربلاء المقدسة يعدون الخيام والقدور والحطب والاعلام ومستلزمات الاقامة في هذا البرد القارص. ان هؤلاء جاؤوا من مناطق عديدة ولهم توجهات مختلفة ومستويات ثقافية وفكرية متفاوتة، ربما يكون هناك بعض التعارض بينهم في الامزجة والاشكال والسلوكيات، هذا الى جانب اختلاف اللهجات وحتى اللغات احياناً. لكن مع كل ذلك وغيره، يجدون انفسهم مجتمعين عند نقطة واحدة في كربلاء المقدسة اسمها (الحسين)، والجميع يطلقون الصرخة المدوية: (لبيك ياحسين)....
لكن لننظر الى ساحة اخرى يعيشها العراقيون ليس خلال ايام معدودة في اطار المناسبة، انما محكوم عليهم العيش معها طوال حياتهم وعلى مدار السنة، وهي الساحة السياسية في مشهدها الراهن، حيث بات الناس يألفون الحديث عن الفساد المالي والاداري واللهاث على الكرسي والمنصب، وفي تطور جديد في العملية السياسية على العراقيين ان يترقبوا ظهور كيانات جديدة متفرخة من الكيانات الرئيسة التي عرفوها وعرفوا ناخبيهم من خلالها لدى الادلاء لصالحهم في صناديق الاقتراع. ولا شأن لنا بالتبريرات التي يسوقها هذا وذاك بعد ان تعلّم البعض كيف يتحدث عن (الظاهرة الصحيّة في العملية السياسية)!! لكن نتساءل عن سبب هذا الفشل في جمع كلمة الناس على قضية موحدة مثل البناء والاعمار – مثلاً- خلال ايام السنة، كما نتساءل عن سبب ذلك النجاح في مناسبة واحدة خلال ايام معدودة...؟
إنها العقيدة ولا غير... فالحسين عليه السلام في ظاهره الدماء والسيوف والشهادة، وفي باطنه الحياة الكريمة من خلال قيم التضحية والشجاعة والإباء وكل ما يمتّ بصلة الى الحياة. والحقيقة نقولها: ان الملايين التي تشارك في احياء هذه المناسبة إنما يشعرون بعبق الحياة وانهم يجددون حياتهم من خلال السير على الاقدام او اللطم او خدمة الزائرين. في المقابل اين هي العقيدة السياسية في العراق....؟! لقد بلغ بنا الامر ان يتبادل السياسيون انفسهم ومن على الشاشة الصغيرة، عبارات السخرية، بكيفية مشاركة الجماعات السياسية كلها في العملية السياسية مرة واحدة دون وجود معارضة؟ او ليس من سياسي او جماعة سياسية تقبل لنفسها ان تكون في المعارضة فيما الباقون ينعمون بالامتيازات والاموال و.....!! حتى الامن الذي نعده ناجحاً الى حدٍ ما في فرض سيطرة الدولة على الحياة العامة، لكن لم نتمكن حتى الان من تحويله الى ثقافة عامة، وهذا هو صمام الأمان الحقيقي من السيارات المفخخة والاحزمة الناسفة وغيرها مما يهدد أمن الناس ويزعزع استقرار البلد، وهو ما نشهده في الدول التي تعد نفسها محصنة من الجانب الامني، لا ان يشعر المواطن في كل مكان بثقل الاجراءات الامنية والحواجز والاسلاك الشائكة وغيرها، ويتمنى زوالها.
ان الشعب العراقي و شعوبا اخرى، جربت الحسين عليه السلام فلم تجد فيها سوى الانتصار والخير والفضيلة، فالامام سلام الله عليه وهو مسجّى في مرقده الطاهر ذبيحاً عطشاناً، ما يزال وحتى يوم القيامة يمد يد العون للطامحين واهل الاصلاح والتغيير، وأبرز مصاديق هذا العون على ارض الواقع، (انتصار الدم على السيف)، وهزيمة الطغيان والظلم أمام صرخة الحق الثائرة، وهي المعادلة التي طالما سعت أنظمة سياسية على مر العصور تغييرها، بينما جرب الشعب العراقي خلال السنوات الماضية أناساً صنعوا لانفهسم سلالماً للصعود نحو المناصب والمكاسب، بشعارات المقاومة ضد (الديكتاتورية) او (الاحتلال) او (الارهاب) وغير ذلك، بينما لا يكسب الشعب سوى مزيداً من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي ناهيك عن الوضع الاجتماعي الذي يشدّ اركانه التقاليد والاعراف وليست القوانين والتشريعات. ولا أدل على ذلك من تهديد هذا السياسي وذاك وبفمه المليان، باحتمال انهيار العملية السياسية بسبب شدة التجاذبات والتمزقات. وبعد كل ذلك لا ادري كم يجب علينا ان نشكر الله تعالى على نعمة وجود محرم وصفر في منهجنا؟