المقال الافتتاحي
الشعر والرثاء
|
محمد طاهر محمد
منذ كانت الحياة، كان الموت ومنذ كان الموت كان الرثاء، والرثاء موغل في القدم وهو ملازم للانسان منذ وجوده على هذا الكوكب، والانسان منذ المجتمعات البدائية كان يحس باللوعة والحزن والاسى على فقد من أحبه. وقد حفلت القصص القديمة والاساطير بالكثير من حالات الرثاء التي عبر عنها الراثي عن ألمه ولوعته بطرق خاصة كان البكاء اولها. وتطورت المجتمعات البشرية وتطورت معها العادات والتقاليد في التعبير عن حالة الرثاء بالحزن والاسى لفقد عزيز ما. وكلما كان الفقيد يتمتع بمؤهلات متميزة وشمائل نادرة وخصال فائقة كان التعبير عن الحزن لفقده يأخذ حيزاً اوسع في نفوس الفاقدين فيجسدون ما اعتورهم من شدة الفاجعة لا شعورياً في ممارساتهم الرثائية وقد عرف العرب الرثاء كغيرهم من الشعوب. عرفوه بمختلف أنواعه من ندب وتأبين وتفجّع.. ورثاء الشعر الذي عرف به العرب اكثر من غيرهم فتاريخهم حافل بالكثير من هذا الفن فمن المهلهل في رثاء اخيه كليب الى الخنساء في رثاء اخيها صخر الى متمم بن نويرة في رثاء اخيه مالك الى الكثير من الشعراء الذين بكوا ورثوا من فقدوهم بحرقة وألم. والرثاء عنصر هام في الشعر منذ اقدم العصور فهذا الفن يتميز بصدق العاطفة لأنه مجرد من كل هوى مادي إلا المحبة وحدها فالشاعر عندما يرثي فلاناً من الناس فإنما يرثيه لأنه حزن على فراقه حقاً أو لأنه أحبه بصدق من خلال مواقفه في التاريخ حتى وإن لم يره فيرثيه وهو يعلم أن الرثاء لا يجزى بمال فهو إذن ضرب من جزاء الاحسان والوفاء والولاء والحب وهو المحك الاصيل لمعرفة صدق واخلاص الشاعر لأي انسان آخر وغالباً ما يكون هذا الاخلاص وليد العاطفة الصادقة والشعور الحقيقي مجرداً من كل علاقة مادية وهكذا كانت مراثي شعراء الشيعة لأهل البيت (ع) تفيض ولاءً واخلاصاً وحزناً وأسى حتى عُدّ الشعر الشيعي من أجمل وأرق ما افرزته الساحة الادبية العربية على مدى تاريخها الطويل وكذلك عُدّ شعراء الشيعة من أفضل شعرائها ولا عجب من ذلك فالعاطفة الصادقة لا بد لها من الظهور بلفظ صادق جميل فالرثاء هو انطلاق النفس على سجيتها في التعبير عمّا يختلج في حناياها من مشاعر صادقة مخلصة.
|
|