لا نمرّ على الكوارث مرور الكرام
|
*محمد علي جواد تقي
ليس من الحكمة أن نسأل الناس، كيف يعودون الى حياتهم الطبيعية في نفس المكان الذي يشهد انفجاراً هائلاً يخلف مئات الشهداء والمصابين كما حصل في انفجارات الاربعاء الأسود، لأن لسان حالهم؛ إن لكل يوم جديد حياة جديدة، ولابد للحياة من أن تستمر، حتى وان تخللتها سيح الدماء وتناثر الاشلاء وما يخلّف ذلك من اليتم والترمّل و... غير ذلك كثير، فهم وبالرغم من كل ذلك يعترفون بعجزهم عن تغيير هذا الواقع والتأثير في مجريات الأمور التي تسوقهم الى هذه النتائج الكارثية، وهذا الشعور عبّر عنه بعفوية، أكثر من مواطن لوسائل الاعلام، في أعقاب أي عملية تفجير ارهابية تقع في هذا البلد المضطهد.
ربما يكون في هذا الكلام شيء من الحقيقة، لكن ليس كلها، فمن جاء بالمسؤولين في الاجهزة التنفيذية والأمنية الى المواقع والمناصب التي يتسنموها اليوم؟ وهم لا يجدون شيئاً يقفون عليه سوى الشرعية الجماهيرية التي بعثت الحياة في التجربة الديمقراطية في عراق اليوم، وبغض النظر عما اذا كان يتمكن المواطن أو جموع المواطنين من أن يحاسبوا المسؤول المقصّر والمذنب، فان المهم والأساس هو اقرارهم بالمسؤولية إزاء ما تمخض من تلك التجربة الديمقراطية، فهل يمكن لأب أن ينكر ولده الذي جاء من زواج شرعي وقانوني؟! ومن هنا تحاسب التعاليم الدينية والأعراف الاجتماعية كل أب يتنصّل من مسؤولية تربية ابنه اذا ما صدر منه عمل خاطئ داخل المجتمع.
نحن لسنا بحاجة الى حزب أو حركة أو تنظيم من شاكلة الأسماء الموجودة على الساحة السياسية، لتعبئ الناس وتصنع منهم رأياً عاماً يتحرك كالسيل الجارف ليهدد المفسدين والمقصرين في أجهزة الدولة، وهو ما أشار إليه أحد الزملاء، في معرض الحديث عن سبب مرور الناس كراماً من كل هذه الكوارث التي تحلّ به، إنما نحن بحاجة الى محاسبة للنفوس وإحياء للضمائر، وقد أشرت الى هذه الفكرة في وقت سابق بان الضمائر الحيّة واليقضة هي التي تخيف الحاكم الذي طالما نقرأ في التاريخ حرصه قبل كل شيء على شراء الضمائر وإسكات صوت الحق والفضيلة، ليتسنّى له اللعب بمقدرات الآخرين كيف يشاء.
إن أول خطوة للضمائر الحيّة تنطلق من نفس الانسان، ثم لتنقل رؤيتها الرحيمة الى الأسرة والجيران والمجتمع بأسره، فكم من إمرأة نجدها بين فترة وأخرى على قارعة الطريق مع أطفالها، أو تدفع بهم للاستجداء بين السيارات في الشوارع، وما خفي عن أنظارنا أعظم، حيث هنالك من "تحسبهم أغنياء من التعفف"، وهناك الكثير من المظالم التي لا مجال هنا لذكرها، تقع أمام أنظارنا، وهي قد لا تحدث صوت انفجار هائل على شاكلة الأحداث الارهابية التي تقع بمعظمها في العاصمة بغداد، لكنها تقتل شخصية الانسان وتسحق كرامته، وليس ثمة من يحرك ساكناً، ويمر الناس من هكذا ظواهر يومياً عشرات بل آلاف المرات، مرور الكرام.
يبدو أننا أمام عملية (تطبيع) غير محسوسة للمعاناة والمآسي، ومن نافلة القول إن أحد ابرز السياسيين قالها صراحة مؤخراً (إن الأخطاء الحاصلة هي من استحقاقات المرحلة الماضية)! وأرجو ألا يفسر هذا الكلام بالغاء دور المحاسبة والمطاردة لكل المفسدين والخونة الذين مايزالون يتسببون في معاناة هذا الشعب المضطهد، و أرى أن الوقت أمامنا ضيق جداً، ولابد من التحرك حتى لاتسبقنا الاحداث على الواقع الخارجي، وتتزايد الكوارث والمآسي يوماً بعد آخر، لأن ربما نكون نحن المتهمين يوماً ما من قبل نفس أولئك الذين نعدهم من المفسدين والخونة، فيقولوا والتهكّم على شفاههم الصفراء: (كيفما تكونوا يولّى عليكم). ولا سمح الله بذلك اليوم.
|
|