تحت الضوء
ديمقراطية من دون حكومة
|
درس بليغ تلقته القوى السياسية المتنافسة على السلطة في بغداد عندما خرج الناس الى الشوارع معلنين احتجاجهم واستنكارهم نسيان أزمة الكهرباء مع حلول فصل الصيف، فقد هبّ المسؤولون الحكوميون وحتى العسكريون لنجدة الموقف، فالحكومة المنتهية ولايتها معنية بالقضية كذلك النواب الجدد الذي يفترض بهم استعجال المناقشات والمداولات لعقد جلسات البرلمان الجديد ثم تشكيل الحكومة.
فقد أثبت المتظاهرون في البصرة ومدن أخرى أنهم يجيدون الديمقراطية رغم عدم وجود بيت للديمقراطية في بغداد، فهم لم يطالبوا إلا بابسط الحقوق والخدمات، لكن المثير أن الطرف المقابل كان يتحدث عن الديمقراطية بلغة أخرى غير مفهومة، فهو يطلب (الترخيص) إن تكون التظاهرات الاجتماعية (قانونية)! وربما لا يجهل هذا الطرف بأن ما يتحدث عنه و شاهده في بلاد الغرب الديمقراطية أنما هو ترخيص وإذن لخدمة المتظاهر والحفاظ على نجاح محاولة إبداء رأيه، ربما من محاولات مناهضة من جهات مغايرة في التوجه والانتماء قد تسبب له الأذى والضرر، لا أن يكون الترخيص، أن تخرج الى الشارع أو لا تخرج.
وللحقيقة أقول: أشعر بكثير من الغبطة والفخر عندما أسمع وأرى انعكاسات التحرك الجماهيري السلمي لتقديم الأداء ا لحكومي على وسائل الإعلام العالمية، قبل أن أتأسف على التعامل غير الذكي للسلطة التنفيذية مع هذه المشكلة والعقدة القديمة والمعروفة، فقد كان التعامل كما لو أنه مع هطر داهم وتطور لم تشهده الحكومة أو المسؤولون في المحافظات، في حين القضية لا تعدو كونها (كهرباء) وليست دعوة لاسقاط وزير أو حكومة كما تخيل البعض فهو ما دعا إليه نواب البرلمان في وقت سابق ولعدة مرات.
لنفترض أن المسؤولين نفذوا بعض وعودهم وتحسن تجهيز الكهرباء وتراجعت ساعات القطع، لكن لنا أن نتساءل: هل يبقى الوضع معنا على هذه الشاكلة حيث الناس يتحدثون الديمقراطية بلغة واقع الحال، فيما يبقى البعض يعاني الأمية السياسية؟! إنه أمر غير مقبول حقاً، لأننا أمام استحقاقات اقتصادية وثقافية وسياسية، والطريق طويل جداً، لذا لا بد من تفعيل عمل دوائر الضغط في المجتمع ومنها منظمات المجتمع المدني، فالمسؤولية اليوم تنتظر من يتحملها من حوزات علمية ومؤسسات دينية وتجار ونقابات مهنية وغيرها تكون عملية إبداء الرأي أكثر قوة ورصانة وفاعلية، ولا أن يكون الناس في أقسى وأشد حالات التوتر بسبب ما يعيشونه من معاناة على أكثر من صعيد بل من أول ظهور لأي مشكلة وأزمة يعرف حينها المسؤول أنه مراقب ومطالب بالأحسن والأنزه ، ولات حين مناص.
|
|