قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

الثقافة بين الأصالة والتطوير
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة *كريم الموسوي
العقل هو الميزة التي يتمتع بها الانسان، فاذا احتجب العقل وانحرف عن مساره الصحيح فان الانسان لن يفقد ميزته هذه فحسب، وانما سيهوي ايضا الى الدرك الاسفل؛ والسر في ذلك يكمن في ان هذه الميزة التي وهبها الله تعالى للانسان جعلت في مقابل ميزات اخرى سلبت منه، فالانسان لايستطيع الطيران كالعقاب، وليس بامكانه الجري بسرعة كالغزال، وهو لايمتلك جسداً كجسد الفيلة والحيتان، ولكنه بدلا من كل ذلك يمتلك العقل، وبهذا العقل يمكنه التغلب على جميع تلـك المخلوقات، بل وعلى ما هو اضخم واقوى منها كالجبال الشامخة، ويغوص في أعماق البحار ويخترق الفضاء البعيد. ولذا فان الله تعالى حينما يحدثنا عن أولئك الذين فقدوا العقل فانه لايكتفي بوصفهم انهم "كالانعام"، وإنما يضيف الى ذلك "بل أضل سبيلا".
الثقافة أهم نتاجات العقل
وهنا لابد ان نتوقف قليلا لنتحدث عن أهم إفراز ونتاج للعقل ألا وهو (الثقافة). فالثقافة تمثل الخطوط العريضة لعقل الانسان. انها الاستراتيجية الفكرية الواضحة لهذا العقل، وعلى هذا الاساس فان الثقافة هي أهم وأبرز مفردات ومفاهيم العقل.
ونحن كثيراً ما نتحدث عن العقل وكثيراً ما نبحث في مفردات جزئية مما يفرزه العقل، فنتحدث عن سلوكنا وعن أخلاقنا وعن أحكام وقوانين نطبقها، ومع ذلك نجد ان الحديث عن الثقافة يتصف بالسذاجة وفي مستوى بسيط في أجوائنا، في حين ان الثقافة تمثل أرضية السياسة، وهي قاعدة الأخلاق، ومنطلق المنهج الفكري، وهي بالتالي الأساس الذي تبنى عليه سلوكيات الانسان وقوانين الحياة. وقد اشار القرآن الكريم الى (الثقافة) في سياق آياته معبراً عنها بـ (البصائر)، أي الرؤى، او مجموعة الافكار والتصورات والمفاهيم التي تمثل الارضية لنمو سائر الافكار والسلوكيات والقيم. ومع ذلك فان الحديث عن الثقافة في اوساطنا لم يحظ بالاهمية التي يستحقها، والسبب في ذلك انه حديث صعب متشعب نخشى اقتحامه، لانه ذو مزالق كثيرة.
فنحن عادة لا نهتم بالمفردات الفكرية الصعبة لاننا نتحاشى الخوض فيها والتحدث عنها، ولعل اهم اسباب تخلف الامة الاسلامية هو انها لا تتحدث عن الثقافة، ولا تطرحها في اجوائها بشكل موضوعي، ولذلك نجد امتنا الاسلامية متورطة في مجموعة ثقافات غير اصيلة، او مجموعة افكار تقتبسها من الغرب او الشرق دون ان تعرف ماذا تعني هذه الافكار، وما هي التأثيرات التي تتركها في حياتها. فنحن عندما نجلس أمام القنوات الفضائية أو نتصفح مجلة او صحيفة او حتى كتاب معين، لا يخطر على بالنا ان منتج البرنامج أو كاتب المقال ينطلق في صياغة فكرته من ثقافة معينة، لنأخذ مثلاً افلام الرسوم المتحركة (الكارتون)، نجد اليوم انها نافذة لنشر الكثير من الافكار والثقافات الى عقول الاطفال. لنسأل انفسنا؛ ترى من اين جاءت الثقافة الغربية التي تأثر بها شبابنا الى حد اننا نرى ان الاوضاع قد انقلبت رأساً على عقب في بلادنا. فقد باتت الكثير من التقاليد الاجتماعية والقيم الاخلاقية مهددة بالانقراض مثل احترام الصغير للكبير أو مساعدة الانسان الكبير في السنّ، بدلاً منها توشك قيم وسلوكيات شاذة تأخذ مكانتها الثابتة في المجتمع، مثل اختيار انواع الملابس والمظهر العام للرجل أو المرأة، او ظاهرة استقلال الفتاة والمرأة عن الرجل داخل الأسرة أو داخل الحياة الزوجية وغير ذلك كثير...
الثقافة ومتطلبات العصر
يتأكد لنا مما مرّ، أن الواجب علينا الاهتمام بالثقافة الحقيقية التي يشتمل عليها القرآن الكريم الذي لا يمكننا الاستغناء عنه في اي مرحلة من مراحل حياتنا، فهو يحتوي على الافكار الاصيلة والضرورية لحياتنا، والروايات تولت مهمة تفسير القرآن الكريم وايضاحه وبيان تفاصيل الحياة من خلاله، وهذا - أي الروايات- هو الجزء الثاني من الثقافة الاسلامية، ثم يأتي التاريخ الاسلامي الاول وسيرة المعصومين عليهم السلام و الصالحين ليشكل الجزء الثالث الذي يقوم بدور توضيح القرآن الكريم، أما الجزء الرابع فيتمثل في ضرورات العصر، فهناك ثقافة غير مرتبطة بالوحي بل بالعقل، لانه الحجة الالهية على الناس كما اشار الى ذلك الائمة عليهم السلام في احاديثهم مثل قولهم: (ان لله على الناس حجتين: حجة ظاهرة وحجة باطنة، فأما الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة عليهم السلام، وأما الباطنة فالعقل)، وجاء في الحديث عن العقل: (العقل نور يقذفه الله في قلب من يشاء).
اذن فهناك ثقافة مستوحاة من العقل تؤكد مصلحة الانسان. فالله تعالى يطلب منك ان لا تقوم بالعمل الذي يسبب لك ضررا، وعلى سبيل المثال هل يجوز للمصاب بالكوليرا ان يخالط الناس؟، العقل يجيبنا بالنفي، وهل يجوز لنا مخالفة قوانين المرور ؟ طبعاً كلا، لان عقولنا تحكم بان النظام ضروري للحياة.
وعلى هذا الاساس فان الحياة تتطور، الامر الذي يتوجب علينا ان نطور ثقافتنا ايضا حسب تطور هذه الحياة، اما بالنسبة الى الثقافة المرتبطة بالقران الكريم فانها ثابتة لأنها تحمل القيم والمبادئ الاخلاقية والانسانية، كما يشير الى ذلك الامام الباقر عليه السلام قال : قال جدي رسول الله صلى الله عليه واله: (حلالي حلال الى يوم القيامة، وحرامي حرام الى يوم القيامة). وإزاء ذلك هناك امور تتطور مع الظروف، وهي بحاجة الى من يستنبطها ويحددها، والانسان المسلم عليه ان يبحث عنها حتى يعرف كيف يعيش في هذا العصر.
ان الثقافة العصرية هي الثقافة التي ترسم لنا حياتنا، وما ينبغي ان نفعل هي القضية الاساس، اما سائر القضايا فهي ثانوية لا تستحق ان نعيرها اهمية كبيرة، فعلينا اذن؛ ان نترك الخوض في الامور الثانوية، ولنواجه الزحف القادم الينا من البلاد الاخرى، فبلادنا محطمة، والحرمان والتخلف هو الذي يسود، والانشغال بالامور الثانوية او ذات الصبغة الشخصية الضيقة، يمثل بالحقيقة تجاوزاً على حقوق الامة، وتجنّي على الجيل الجديد، فهو يتعرض لكتل النيران تقذفها المدارس الفكرية والثقافية على شكل عادات وقناعات، وبدلاً من ان نبعد هذه النيران عن اطرافه، نواصل الجدل العقيم حول هذه القضية او تلك، او من هو على حق ومن على خطأ ومن على صواب. انها الجناية بعينها والمشاركة في ضياع الجيل الجديد، بعد ان تعرضت الاجيال الماضية للقمع والاضطهاد على يد الانظمة الجائرة.
* سنة الحياة هي التطور، الامر الذي يتوجب علينا ان نطور ثقافتنا ايضا حسب تطور هذه الحياة، اما بالنسبة الى الثقافة المرتبطة بالقران الكريم فانها ثابتة لأنها تحمل القيم والمبادئ الاخلاقية والانسانية