الدعاء في القرآن الكريم
"اهدنا الصراط المستقيم"
|
*صادق الحسيني
عند زوال الشمس وغروبها وفي الفجر وظلام الليل نكرر هذا الدعاء مرات عديدة لنطلب من الرب تعالى أن يثبتنا على الصراط المستقيم وأن يهدينا الى المنهج القويم، لكن لماذا هذا الدعاء و بهذه المرات المتكررة ؟
بما ان الدين لله فالهداية له تكون من عنده تعالى ايضاً، وكما في الحديث عن جبرئيل عن الله عزوجل أنه قال: (يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فسلوني الهدى اهدكم)، فالهداية من عند الله لأنّ الانسان قد يزل وترد عليه الخواطر الفاسدة، فيحسن أن يسأل الله تعالى أن يثبته على دينه و يديمه عليه ويعطيه زيادة في الهدى، فحقيقة النفس البشرية هي الجهل و الظلمة وانما الله هو الذي يمنّ عليه بالهداية وبالطافه اللامتناهية.. فلو اهتدى بعقله فهو نور من الله ولو اهتدى بالفطرة او المعاجز او الدلائل الانفسية و الآفاقية فكلها من عنده تعالى.
و طلب الهداية من أهم ما ينبغي للانسان دعاؤه، فربما يظن الانسان صحة سلوكه و استقامة طريقه ولكنه وبعد سنون مديدة يكتشف خلاف ذلك، من هنا على الانسان دائماً و ابداً ان يدعو الله ليهديه الى الصراط المستقيم.
قد تسأل شخص و تستهديه عن شيء فيومئ لك برأسه او يشير بيده و قد تكرر السؤال لآخر فينهض ليأخذ بيدك و يوصلك الى ما ترمي اليه وبين هذا وذاك بون شاسع. وهكذا، فان هداية الله للانسان على اقسام، ابتداءً من الهداية التكوينية العامة التي تشمل جميع الكون و يشترك فيها البشر مع غيره من الحيوانات، الى الهداية العقلية المختصة بالبشر و اخيراً الهداية الخاصة بالمؤمنين الذي يوصلهم الرب برحمته الواسعة بهذه الهداية الى جنته وهي الهداية التي ندعوا من الله ان يرزقنا اياها.
ثم ان لكلمة الهداية استعمالين؛ احدهما للصلاح و الآخر للضلال، احدهم لصراط الجنة والآخر لصراط الجحيم، وذلك قوله سبحانه: "احشروا الذين ظلموا و أزواجهم وما كانوا يعبدون ()من دون الله فاهدوهم الى صراط الجحيم" (الصافات /22-23).
وربما كثرت الطرق الموصلة الى الجحيم ولكن صراط الحق واحد، من هنا نعرف بطلان المقولة الشائعة بأن الطرق الى الله بعدد انفاس الخلائق، لأن ربنا يقول (صراط) وهو بصيغة الافراد ويعني بأن هنالك صراطاً واحداً فقط هو الذي يوصل الى هداية الرب ومن ثم الى جنة الخلد.
من هنا تأتي صفات هذا الصراط في الآية الآتية حيث يقول ربنا "صراط الذين أنعمت عليهم" واذ تساءلنا عن المقصودين بالآية و الذين أنعم الله عليهم نجد الاجابة في الآية من سورة النساء حيث يقول ربنا: "ومن يطع الله و الرسول فاولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين و الصديقين و الشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا" (النساء /69)
فهذا هو الصراط القويم الذي خطاه الانبياء الطاهرون و الشهداء الابرار و هو الصراط الذي نبتهل الى الرب تعالى أن يشملنا برحمته فيه.
اما المرحلة الثانية فهي تحديد دواعي الانحراف التي تضغط على الانسان باتجاه الانحراف و تضغط عليه لكي يختار بوعي وقصد طريق الانحراف، مثل حب الشهوات من النساء و البنين و الكماليات و التفاخر وحب السلطة، لذا نجد اكثر الناس ينحرفون عن الاستقامة بشهواتهم لأنهم يستسلمون لضغوطها، وهؤلاء يغضب الله عليهم، ويسلب منهم نور الفطرة ووهج العقل فاذا بهم في ظلمات لا يبصرون، لذلك يدعو المؤمنون ان تدوم لهم نعمة الهداية فيكونوا مستقيمين و لا يكونوا ممن تعمدو الانحراف فحرموا من نعمة الهداية، "غير المغضوب عليهم ولا الضالين" فيضلوا منحرفين الى الابد. وهنا نبتهل الى الله وندعوه ان يهدينا للسير في هذا الصراط القويم في الدنيا لنجوزه في الاخرة الى جنات النعيم.
|
|