قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

طب التجميل. . بين خدمة الجمال و معاناة المشوهين
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة *هدى محمد علي
هناك سباق على قدم وساق لمواكبة التطورات والمستجدات في العالم، ولدى البعض حرص شديد على أن لا يفوته ابداع أو صيحة جديدة ليقتنصها ويتباهى بها امام اقرانه وجيرانه ليكون ذا حظ عظيم! فهل نحن في العراق أمام سباق للحصول على التقنيات الحديثة في وسائل النقل والاتصالات أو في حقل الانتاج أو في حقل التعليم...؟ كلا...! إنما أمام ظاهرة (تجميل) الوجه وأيضاً قصّات الشعر لتكون على شاكلة بطل تلفزيوني أو لاعب يجري خلف الكرة أو ممثلة مخترقة للقلوب وآسرة للعقول!
نسمع منذ مدة طويلة عن افتتاح عيادات (التجميل) أو بالحقيقة التغيير والتلاعب بالأنف أو الشفاه أو عموم الوجه في أماكن عديدة من العالم، ورغم ما تشكوه الاوساط الثقافية والاجتماعية هناك، إلا ان عجلة التقليد تبدو أقوى واكبر، ولم يعد بامكان الأب ولا الأم ولا طرف آخر أن يحد من قرار الفتاة أو الشاب باجراء تغيير على خلقة الله تعالى وما قسمه وكرمه للانسان من تقاسيم للوجه، والقرآن الكريم يصرّح في سورة التين وفي سياق قسم إلهي عظيم: "وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ * لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ" (التين /1-4).
لا نتحدث كثيراً عن المسائل الشرعية لهذه القضية وتبعاتها، بل نسلط الضوء على المسائل الطبية والنفسية التي يشير اليها باحثون واخصائيون أكدوا ان الاضرار الصحية والنفسية أكثر بكثير من المنافع التي يرجوها صاحب التعديل – التجميل-.
الطبيبة النفسية إيفا ريتفو، والمدرسة في جامعة (ميامي ميلر) بالولايات المتحدة تقول: إن السعي لتبدو وكأنك شخص آخر، لا يمكن أن يكون طبيعياً، كل شخص ينبغي أن يكون على طبيعته وليس نسخة أخرى من شخص آخر، كل شخص له مواهب فريدة وقدرات ومظهر متميز. وتتابع الباحثة قولها: إن كنت تحاول تقليد المشاهير في مظهرهم فهذا مؤشر واضح على أنك تعاني من تدن في احترام الذات، أو ربما أكثر تعقيداً من ذلك، مثل مشاكل الصحة العقلية كمرض خط الحدود، أو اضطراب الشخصية أو خلل في الذهن.
لننظر الى النصف الآخر
دائماً يقال: (لا تنظر الى نصف الكوب الذي يحوي الماء، إنما انظر ايضاً الى النصف الآخر الذي يحتوي على الهواء، فهو ليس فارغاً، والانسان؛ رجلاً كان أم امرأة، خلقهما الله سبحانه وتعالى وأودع فيهما صفات ومعالم جميلة عديدة، منها الظاهر ومنها المستتر، فقد خلق كثيف الشعر وأودعه صفة أو خصلة جميلة وحميدة، مثل الذكاء الحاد أو الشجاعة، أو خلق المرأة قصيرة القامة أو ببعض التقاسيم في الوجه، لكن خلق وهبها جمالاً أنثوياً خاصاً و خصال حميدة مثل العاطفة والصبر والحنان وغير ذلك. إذن، القناعة بما قسم الله لنا، هي التي تخرجنا من الشعور بالدونية أزاء الآخرين، أو ان مظهرنا غير مشجّع وغير مقبول في أماكن أو ظروف معينة أو غير ذلك من المسوغات الواهية. ثم شكر النعمة العظيمة تجعل الانسان يشعر حقاً، يمتلك الكثير، لاسيما اذا القى ببصره الى اشخاص يعانون من تشوهات خلقية كبيرة، ولا يجدون الحل والعلاج الشافي لازالة هذه التشوهات التي لم يكونوا سبباً في ظهورها، إنما طرأت عليها من الولادة لاسباب كثيرة لانريد الخوض فيها في هذا الحيّز.
(التجميل). . الترف أم الضرورة الحياتية؟
في علم الطب، هناك قسم يُدرس تحت اسم (التجميل)، وله أخصائيون وباحثون، وهو علم مستحدث الهدف منه إزالة التشوهات في الوجه بالدرجة الاولى أو مناطق أخرى، والتي تحدث غالباً بسبب حوادث الحريق أو الحروب أو حوادث سير وغيرها، هذا الى جانب التشوهات الخلقية التي نراها في الاطفال، ولابد ان الجميع تابع اخبار العمليات الجراحية المعقدة التي أجراها جراحون كبار في العالم لفصل توأمين ملتصقين وفي اكثر من بلد في العالم، فمنهم من يفلح ومنهم من يقف مستسلماً امام المشيئة الالهية حيث يلفظ الطفل أو الاثنين معاً أنفسهما في غرفة العمليات.
إذن، هي معركة وجهاد لانقاذ حياة الانسان ومساعدته على استمرار حياته بشكل طبيعي ولينخرط في صفوف المجتمع ويشارك في العطاء والانتاج، وليست (سياحة طبية) كما يحلو أن يسميه البعض من الباحثين على الربح السريع وبكل الوسائل، حيث يخلطوا بين العمليات الجراحية الضرورية لبدن الانسان، وبين عمليات (التجميل) التي وجد لها البعض من قواميس اللغة مفردة (التخسيس)!! اشارة الى برامج وأعمال يقومون بها لرشاقة البدن.
لنقرأ هذا الخبر الذي نشره موقع (سي – ان – ان) بان فريقاً طبياًَ نجح في إجراء عملية معقدة لزراعة وجه كامل لمريض بعد أن تلف وجهه الأصلي إثر إصابته بعيار ناري، وهي العملية الأولى من نوعها على مستوى العالم (حسب صحيفة الباييس الأسبانية).
وجاء في الخبر أن الفريق الطبي أشار إلى أن حالة المريض (أوسكار) تتحسن بشكل تدريجي وأنه بحاجة إلى ثمانية عشر شهراً حتى تستقر حالته نهائياً ويبدأ حياته الجديدة. يذكر أن أوسكار أصبح يأكل ويتحدث حتى ولو كان بصعوبة بالغة، بعد ان كان يفتقد لمعظم تقاسيم الوجه مثل الفم و الانف والوجنتين بسبب الحادث.
ولنا أن نتصور مشاعر هذا الفتى الظاهر في الصورة بعد نجاح العملية، فهو لا يفكر ولا يتذكر وجهه السابق لأنه اصبح من الماضي، بقدر ما يحرص على تجاوز محنته وأزمته النفسية والصحية بسبب الحادث وما ألحقه بوجهه، وبالنتيجة فان الموجود حالياً يُعد انجازاً وانتصاراً لـ (اوسكار) وايضاً للفريق الطبي، وكذلك فرحة عارمة للأهل والاصدقاء والاقارب. أما نحن فما علينا الا ان نتذكر فقط الآيات القرآنية العديدة التي تذكرنا بنعمة الخلقة الحسنة، منها قوله تعالى: "وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ" (غافر /64). والآية الكريمة: "الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ" (السجدة 7). ثم نشكر الله تعالى على ما فضّل علينا من نعمة الصحة والعافية.
قبل الختام، لابأس بمشاهدة أذكرها من صعيد الواقع أو بالأحرى من الألم العراقي، أمٌ تجلس في المقعد الأمامي في سيارة الأجرة (الكيّة) والى جانبها ابنتها الصغيرة التي لم تتجاوز ربيعها الخامس وهي تعاني من تشوّه خلقي في الشفاه بحيث بات من الصعب عليها النطق بشكل صحيح، وهذا الوضع ترك أثراً واضحاً على معالم الوجه، كما يترك آثاراً نفسية عميقة في نفس هذه الفتاة اليافعة وأيضاً في نفس الأسرة، وكانت تتحدث عن الصعوبات والمشاكل التي تواجهها في مسيرة علاج ابنتها وازالة هذا التشوه... في كل الاحوال، هذه القضية أمام أنظار المسؤولين المعنيين، لأن هذه الفتاة ستكون على أبواب المدرسة وتضع قدميها الصغيرتين في مسيرة التعليم الطويلة، فهي بكل تأكيد تستحق هذه الالتفاتة البسيطة لتخطّي هذه المشكلة حتى تكون مؤهلة غداً للمشاركة بصنع الجيل الجديد و رفد المجتمع بالعطاءات المتعددة.