قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

الهاتف النقال.. جميلٌ ومفيد وقادر على تهديد حياة المجتمع!
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة *محمود حسين عبد عون
يفترض ان هذه التقنية وُجدت لانجاز العديد من المشاريع والأعمال المتعلقة بحياتنا اليومية ففي السابق كنا اذا أردنا ان ننجز عمل ما أو لتأسيس مشروع أو اللقاء بالصديق، كان يتوجب علينا الذهاب قاصدين ذلك المكان مهما طالت المسافة ومهما استغرق ذلك من الوقت لانجاز العمل، فقد نذهب سيراً على الأقدام او نستقل سيارة او غير ذلك.
أما اليوم فلا أحد يستطيع ان ينكر الفضل الكبير لتقنية الهاتف النقال حيث قرّب هذا الجهاز الصغير المسافات واختصر الزمن فضلاً عن ان بعض أنواع هذه الأجهزة تحمل (كاميرا رقمية)، أي لدينا جهاز داخل جهاز، يمكن لمستخدميها ان يلتقطوا الصور واللحظات المهمة بالاضافة الى خدمات الاتصال الأخرى كالإنترنت ومن خلال هذه التقنية يستطيع المتصل ان يسمع ويشاهد في آن واحد المتصل حتى لو كان في بلد آخر.
لكنّا نجد هناك من يُسيء استخدام هذه التقنية فيجعلها وسيلة مشاكسة وهدراً للوقت، وبدلاً من أن تكون هذه التقنية، كباقي أنواع التقنيات الحديثة لاسيما في عالم الاتصالات، فرصة للتقدم والتطور، تتحول الى فرصة للتمرد على القيم الاخلاقية والتقاليد الاجتماعية، حيث يقوم بعض الشباب بتشغيل الموسيقى والغناء بأصوات عالية وهم يسيرون في شوارع المدينة وأزقتها أو الحدائق العامة دون مراعاة حرمة وآداب الطرق وعدم احترام العوائل، وقد وردت أحاديث كثيرة عن الرسول الكريم (ص) تحث وتوصي بضرورة مراعاة حرمة الطرق. فقد قال رسول الله (ص): إياكم والجلوس في الطرقات، قالوا يا رسول الله مالنا بد هي مجالسنا نتحدث فيها، فقال فإن أبيتم فاعطوا الطريق حقه، فقالوا ما حقه، قال غضّ البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وهناك قصص عجيبة وغريبة تروى عن الاستخدام السيء لهذه التقنية، التي تسبب استخدامها السيء الى مشاكل أسرية و زوجية تصل الى حد الانفصال بين الزوجين! وربما تصل الى حد أن نجد يوماً هذا الجهاز الصغير والجذّاب يستحيل تهديداً ماحقاً لكيان وبناء الأسرة العراقية، إذ يكون بامكانه فصل الشاب عن أبيه وأسرته والزوج عن زوجته وهكذا...
والسؤال هنا؛ ما الذي يمكن عمله لتوظيف هذه التقنية للاستخدامات البناءة والمفيدة في حياتنا؟
طبعاً قبل أن نواصل الحديث عن هذه المشكلة والبحث عن حلٍ لها، لابد من التذكير أننا دائماً ننتظر ظهور المشكلة و (وقوع الفأس على الرأس) ثم نبدأ نشكو جراحنا و نندب حظنا، وكيف ان المشاكل والازمات تقع على رؤوسنا دون غيرنا... بينما الاجدر بنا أن نفكر ونسبق الزمن بابتكار اساليب واطروحات تجعل من الهاتف النقال وسيلة تربوية وعامل توجيه وتذكير بالمعروف بدلاً من أن دليلاً على المنكر – كما هو الحال-، فنحن نسمع باستمرار رنات هذا الجهاز الظريف وهو ينبهنا لرسائل تحتوي دعوات مختلفة ومتنوعة لمسابقات تشبه (الحظ يا نصيب)، لاثارة حب المال والاثراء في نفوس الشباب التواق جداً الى ان يملأ جيوبه بالمال وسط البطالة الموجعة، فما أجمل وأطيب من ان يجد الشاب على جهازه النقال دعوات لمسابقة حفظ القرآن الكريم أو أحاديث الأئمة المعصومين، أو – مثلاً- (أرسل حديث أو اكثر من أئمتك المعصومين) أو ما اشبه ذلك، أو التشجيع على مطالعة كتب ثقافية وتاريخية مهمة بعينها، وغير ذلك كثير.
هذه الخطوة المبدعة لها فائدتان مهمتان من جملة فوائد كثيرة:
أولاً: انها تحصن الفرد في المجتمع لاسيما الشباب من الركون الى مستنقعات الرذيلة والتحلل الخلقي، لأن الانسان مهما كان، يشعر بالتناقض والتعارض بين القرآن الكريم وبين الصور الاباحية، وبين كلام المعصومين وكلام الغزل والمعاكسات الرخيصة. فاذا تعممت أجواء (الموبايل) بهذا الطقس التربوي والديني، فان نسبة الجنوح نحو اللهو واشباع الغرائز المؤقتة سيتراجع لصالح التوجه نحو غريزة التعلّم والمعرفة في جميع نواحي الحياة.
ثانياً: تقديم البديل الافضل والصورة الحسنة للهاتف النقال، والتأكيد على ان الدين الاسلامي والاخلاق والاعراف الاجتماعية كلها محبّة للتطور والتقدم ولا تعارض أبداً بين أن يكون الانسان ملتزماً بالدين والاخلاق والاعراف، وأن يكون سعيداً موفقاً ومالكاً لكل اسباب الرفاهية، أما ان يسمع النصائح والتحذيرات المجردة، فلن يزيده ذلك إلا اصراراً على المضي الطريق الخطأ.
الى جانب الدور التربوي والتثقيفي، لابد من الاشارة بقوة الى دور الشركات والمؤسسات المالية العملاقة التي تقف خلف هذا الجهاز الصغير، فهي قد تعد نفسها من جملة الشركات (المتعددة الجنسية) التي ظهرت في الغرب وامتد اخطبوطها نحو العالم الاسلامي في القرن الماضي، فلا همّ لها سوى جني القدر الأكبر من الارباح مهما كانت النتائج والوسائل، لكن نعتقد انها لاتجهل وجود مجتمعات لها جذور عميقة في الالتزام الديني، واذا ما حاولت تجاوز حدودها فانها تكرر أخطاء من كانوا أكبر منها بكثير من حكام وأنظمة سياسية ذات سطوة، لكنها آلت الى الاندثار والانهيار، كما حصل مع النظام البعثي البائد في العراق، لذا فان على الشركات المالكة للهاتف النقّال جزء من المسؤولية للحفاظ على سمعتها ومكانتها في السوق العراقية، وهذا يتناقض تماماً مع ما نجده من بعض الشركات التي تمنح اتصال مجاني او شبه مجاني للمشتركين في الأوقات المتأخرة من الليل فقط وبذلك تسمح لكل من الجنسين الاتصال بالبعض الآخر حتى الصباح او ازعاج الآخرين في أوقات متأخرة من الليل. ربما يكون الهدف هو جذب المشتركين وزيادة الارباح، لكن قد يكون لهذا تبعات اجتماعية خطيرة تنعكس بالتأكيد على هذه الشركات حيث ستكون المتهمة بالدرجة الاولى في حصول مشاكل اجتماعية واخلاقية.
وفي الختام؛ نذكر بالدور التربوي والثقافي العام لمؤسسات الدولة والمجتمع المدني والمؤسسات الدينية،بأن تلتفت الى هذه القضية، فهي ليست قضية وشأن شخصي كما يصورها البعض، إنما هي أشبه الى حدٍ كبير بالامراض الخطيرة التي نجد التحذيرات الكبيرة والمشددة عنها في الشوارع والمراكز العامة وعلى وسائل الاعلام. وليعلم المعنيون بان أمراض مثل السل أو التيفوئيد أو سرطان الثدي أو الامراض الوبائية أو المزمنة التي تطل برأسها على العراق، تهدد بدن الانسان وأيضاً حياته، وهي خطر جدّي لابد من مواجهته، لكن الامراض الاخلاقية تهدد قلوب ونفوس البشر، فاذا تلوثت القلوب وماتت النفوس والضمائر، فان التهديد لن يكون بموت شخص واحد، إنما بموت المجتمع باكمله – لا سمح الله-.