الزندقة تنهزم امام مدرسة الأمام الصادق(عليه السلام)
|
*سعد مغيمش
يطول بنا المقام حين نحاول استقصاء دور أئمة اهل البيت (عليهم السلام) في مواجهة البدع والتزييف في الدين وهو ماظهرت بوادره منذ اليوم لارتحال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الى الرفيق الأعلى فقد كانوا خلال مختلف الظروف التي مرت بها الأمة، الملاذ والمنهل الذي يجد عنده المتعطش للعلم والمعرفة مايروي به حبه للعلم من مصادره الأصيلة المتصلة برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
الظروف السياسية في فترة الإنهيار
تزامنت إمامة الامام الصادق عليه السلام مع فترة ضمور الدولة الأموية وتنامي شوكة الدولة العباسية، وفي هذه الحقبة المضطربة ظهرت حركة علمية غير عادية فسحت المجال أمام كل انسان ليقدم حصيلة ما يملك من أفكار مختلفة، فدخلت المجتمع الإسلامي افكار وتصورات غريبة على الأسلام مما جعل الساحة الإسلامية ساحة مفتوحة لتبادل الأفكار والتفاعل مع الأمم والحضارت الأخرى وتمخضت الحركة الفكرية والنشاط العلمي الواسع عن ظهور مذاهب فلسفية متعددة وتفسيرات فقهية مختلفة ومدارس كلامية متأرجحة بين التطرف والإعتدال، وممن ظهروا في هذه الفترة (الزنادقة) في مكة والمدينة وانتشرت فرق الصوفية في البلاد.
في هذه الفترة كان الناس منشغلون بالحروب والثورات فيما الحكام مشغولون ببعضهم البعض الآخر، فتسربت التأويلات المنحرفة في علوم القرآن الكريم وطالت مباحث التوحيد والصفات الإلهية والنبوة وحقيقة الوحي والقضاء والقدر، ولم تسلم السنه النبوية بدورها من التحريف ووضع الأحاديث المكذوبة والمنسوبة الى نبي الإسلام لذا نهض الإمام الصادق (عليه السلام) للتصدي والمواجهة والتصحيح للعودة بالإسلام الى ينابيعه الصافية.
وبما ان الإمام الصادق (عليه السلام) اعتمد على الحوار الهادف والموضوعي في تقريب الفكرة والعمق في مضمونها مع مراعاة بعض التأثيرات النفسية في بعض الحالات التي تبعد الخصم عفوياً عن اجواء الشك والعناد وتضعه في الجو الفطري البريء المجرد من كل ماهو غريب من الانسانية والفطرة التي أودعها الله في الانسان، وعندما وجد الزنادقة في الإمام الصادق (عليه السلام) اكبر خصم يواجهونه، كانوا يحاولون اثارته بجدلهم ولكنه كان يواجههم بكل اطمئنان وبروح عالية.
كانت له عليه السلام مناظرات علمية مع الملحدين منهم من كان يأتيه ويسأله سؤال استفهام واسترشاد ومنهم من كان مصراً على اعناده وسابق رأيه وفي كلتا الحالتين كان الإمام (عليه السلام) يستقبلهم بصدر رحب وحلم عظيم و وجه باسم، فكم من معارض ملحد جاء وخرج من عنده مقتنعاً مسترشداً، وكم من داخل عليه خرج من مجلسه وهو مصمم على جهله ولكن الكل يكن له الاحترام والمقدره.
هشاشة الزندقة
(ابن ابي العوجاء)، ملحد اعترف بدسه للأحاديث النبوية، كان في بدايته مستقيماً يتردد على مدرسة الحسن البصري فلما انحرف اعتزل هذه المدرسة رغم انها لم تكن لتمثل الإسلام الحقيقي وانتهى به الامر على القتل على يد محمد بن سليمان عامل الكوفة بأمر المنصور وكان ابو العوجاء يوماً هو وعبد الله بن المقفع في المسجد الحرام فقال ابن المقفع ترون هذا الخلق - وأشار بيده على موضع الطواف- ما منهم أحد اوجب له اسم (الإنسانية)! إلا ذلك الشيخ الجالس، ويقصد الامام أبا عبد الله جعفر الصادق (عليه السلام) أما الباقون فهم رعاع وبهائم.
فقال: ابن العوجاء كيف أوجبت ذلك الإسم ؟
فقال: لأني رأيت عنده مالم أراه عندهم.
فقال: لابد من اختبار ماقلت.
فقال: لانفعل فإني اخاف ان يفسد عليك مافي يدك.
فترة الإزدهار العلمي
لعل من اهم اسباب التغيير الفكري هو انتشار البحوث الكلامية والتوسع في جهاتها المنهجية والتحليلية بعيداً عن منطق العقل والفطرة التي فطر الله الإنسان عليها. والسبب المهم ان الانفتاح العلمي المفاجئ على المدارس الفلسفية اليونانية والفلسفات الأخرى التي طورت الذهنية العلمية، اعطت للحوار العقائدي بين العلماء والمفكرين مجالاً واسعاً وعميقاً مع ما تحمله من نظريات غامضة وشبهات واشكالات قد تبتعد بالانسان عن معطيات الفطرة السليمة.
هنا كان دور الإمام الصادق (عليه السلام) القيادي المسؤول خصوصاً وانه يمثل القاعده الفكرية البارزة في المجتمع الإسلامي والمنهل الأصيل للرساله في شتى منطلقاتها فقد خاض الإمام (عليه السلام) مختلف الصراعات القائمة في عصره ودافع فيها بكل قوة عن الرسالة، مما جعل من الخصوم اقزاماً تتضاءل بين يديه وتذوب كما تذوب دمى الشمع عندما تلامسها حرارة النار.
المذهب الجعفري
انتشر المذهب الجعفري، وهو مذهب أهل البيت عليهم السلام في زمن الإمام الصادق واصبح له اتباع كثيرون حتى اطلق الناس على مذهب التشيع اسم المذهب الجعفري نسبة الى جعفر الصادق عليه السلام. وعلماً ان المذهب فهو مذهب علي عليه السلام الذي اغتيل في المحراب على يد الخوارج وهو المذهب الذي مات عليه الحسن عليه السلام مسموماً على يد معاوية والمذهب الذي استشهد عليه الإمام الحسين عليه السلام.
وقد اوصى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) المسلمين بكتاب الله وعترته اهل البيت وها هنا واليوم تعيش فترة كما مر بها الإمام الصادق (عليه السلام) فترة حكمين بدايته حكم ونهايته حكم، فلنبدأ من هذا المنطلق لكي نستطيع اتخاذ ماكان يفعل امامنا وصاحب مذهبنا وان نجعل اسلوب الفهم والمعرفة اتخاذ الطرق الصحيحة لنصل الى الحقيقة ولا نضل الطريق.
وفيما كان المنصور العباسي يسعى لتثبيت اركان حكمه، شعر أنه يواجه خطراً كبيراً ومتعاظماً من الامام الصادق عليه السلام، لاسيما وهو يرى اقبال الناس عليه والتفافهم حوله وكان يصف الإمام (عليه السلام) بـ(الشجى المعترض في الحلق)! فكان يخشى من التعرض للإمام لأنه سيؤدي الى مضاعفات خطيرة عليه، فازدادت الضغوط على الإمام واصحابه، فنصحهم بالسرية والكتمان فكان يقول عليه السلام: (التقية ديني ودين آبائي ولادين لمن لاتقيه له)، ولكن هذا لم يردع المنصور من ارتكاب جريمته البشعة باغتيال الامام عن طريق دس السم اليه الامر الذي ادى الى استشهاده في الخامس والعشرين من شهر شوال سنة 148هـ ودفن في البقيع الى جانب ابيه الباقر وجدته فاطمة وعمه الحسن (عليهم الصلاة والسلام).
|
|