نحو صياغة اجتماعية لمفهوم السياسة !
|
غريب مراد
لا نبالغ إذا قلنا ان من الأمور العجيبة في واقع الإنسان العراقي و العربي عموما اهتمامه المفرط بالسياسة على حساب الجوانب الاجتماعية والثقافية، حيث هذا الاهتمام السياسي لا يكاد يتجاوز استقبال الأخبار وطرح ردود الأفعال وبلع التمويهات والاصطفاف وراء الشخصنة والشعار، لأن مسائل الثقافة والدين والقانون والاجتماع، لا تزال أقل درجة من السياسة بمفهومها العام المتمثل في التدبير والمصلحة، وبالتالي نستشف التقصير بالأمور الاجتماعية على الرغم من أنها تعتبر الأساس البنيوي لأي سلوك سياسي واقتصادي، والأمر الاجتماعي نعني به تلك الآداب والقيم والأخلاق التي تنتج مقومات الثقافة المحركة للعلاقات في المجتمع بشكل ايجابي ومثمر...
القراءة البسيطة ليومياتنا تكشف لنا عن الاستغراق في "البوليتيك" بشكل مخز، كما تعبر عن تخلف كبير في تصورنا لميلاد المجتمع المدني، فالسياسة التي يتحاكم لها وحولها أفراد المجتمعات العربية ومنها العراق، ليست ذات معنى إنساني حضاري يعبر عن تطور معرفي وثقافي واجتماعي، ولكنها ليست سوى صور نمطية لتراكم تاريخي سياسي ترسب في العقلية العربية، بحيث أصبح الاجتماع تابعا للسياسة والاقتصاد كذلك، ثم نتجت ثقافة متصارعة مع ذاتها والآخر ككل... فالعلاقات في مجتمعاتنا، و بدلا من أن تنبثق السياسة من أبعاد ثقافة الاجتماع وأطرها القيمية،أصبح العكس، السياسة بمعناها البرجماتي هي التي ترسم العلاقات، فعلاقة الزوجين سياسية والجيران أيضا والزمالة بالعمل نفس الشيء، السياسة احتلت مكانة الثقافة في مجتمعاتنا، بحيث قلبت موازين الاجتماع ورسمتها وفق تقلبات البورصة السياسية، مما أوجد واقعا سياسيا يفكك عرى شبكة العلاقات الاجتماعية أكثر مما يمتنها...
بصراحة: أي حديث عن مسائل السياسة أو الاقتصاد بحاجة لوعي عميق بالثقافة التي جمعتنا في الماضي على أرض اسمها الوطن وتهدف بالحاضر لتمدننا بقيمة مسماة المواطنة وتطمح في المستقبل لبناء أمننا الموسوم بالتنمية الشاملة.
علينا أن نعيد إلى أنفسنا مكانتها وأن نعيد إلى وجودنا المعنوي شخصيته الإنسانية اللائقة، من خلال ترتيب نَظْمِ أمورنا وضبط السياسة والاقتصاد بما يتوافق وسلامة اجتماعنا وتجديد ثقافتنا الإنسانية لتحقق الشهادة الحضارية، لأن بقاء السياسة النابعة من فلسفة ويليام جيمس، يؤكد الاستغراب الكابس على أنفاس اجتماعنا، كما استفحال الشك والحسد يؤسس لغد فئوي حزبي ومناطقي وربما حتى طبقي، بامتياز، فلا سبيل لنهضة واقعنا إلا من خلال تبني خيار تفعيل التهيئة السياسية والاقتصادية بما يتوافق مع أمننا الاجتماعي والتنمية الثقافية كمدخل للتنمية المستدامة.. و الله من وراء القصد.
|
|