الشباب و الوقوف على أعتاب المسؤولية
|
*إعداد / حسين محمد علي
ها أنت تغادر مسرح طفولتك وملعب صباك لتطأ أعتاب شبابك، تلك مرحلة انطوت لم تكن فيها مسؤولاً، أبوك وأمّك كانا يتوليان رعايتك ويقومان بمسؤولية تربيتك والإنفاق عليك، اليوم اختلف الأمر، ما زلت قريباً منهما وتحظى بعنايتهما لكنّك لم تعد ذلك الطفل الصغير اللاّهي، لقد تغيّرت فيك أشياء كثيرة سواء في جسدك أو في مداركك العقلية، إنّك الآن تدخل عالم الكبار، تتحوّل من طفل إلى رجل.
هذا التغيّر الذي يحصل لكل فتى وفتاة يمثل إنتقالة طبيعية لكلّ منهما، لكنّه أيضاً يمثِّل مرحلة جديدة في عالم المسؤوليات، فمن (طفل لاه) إلى (رجل مسؤول) أو (امرأة مسؤولة). في هذه السنّ التي يطلق عليها بـ (المراهقة) يصبح الشاب والشابّة مسؤولين أمام الله سبحانه وتعالى ضمن تكاليف وفروض و واجبات عليهما أن يمارساها خلال فترة حياتهما.
ماذا يعني ذلك؟
يعني أنّ الشابّ ـ فتى كان أو فتاة لا فرق ـ سيقف منذ اليوم هو والأكبر سناً منه على قدم المساواة في ساحة المسؤولية والمحاسبة، فأنا ـ حديث العهد بالإلتزام بالمسؤولية ـ وأبي وأمّي اللذان سبقاني إلى تحمّل مسؤولياتهما مطالبون بأداء نفس المسؤوليات، هما يتحملان مسؤولية أعمالهما وأنا أتحمّل مسؤولية أعمالي أداءً وتقصيرا.
لقد ولّى عهد التواكل والإسترخاء واللهو والعبث الطفولي، ودقّت ساعة العمل الجادّ، ففي هذا المعمل الواسع الكبير الذي اسمه الكون لك موقعك بين مواقع العمل المسؤول ، وهو أشبه شيء بورشات متعددة تعمل باتجاه هدف واحد هو كسب مرضاة الله سبحانه وتعالى: "يا أ يُّها الإنسانُ إنّك كادحٌ إلى ربِّكَ كدحاً فمُلاقيه" (الإنشقاق/6).
على طريق المسؤولية:
1- اعرف تفاصيل المسؤولية لتعرف ماذا يراد منك، واعرف أهميّتها حتى تتفاعل معها وتسعى لتحقيقها.
2- كن مشغولاً بما أنت عنه مسؤول، فمن اشتغل بغير المهم ضيّع الأهم، فليس في الحياة متّسع للهوامش والقشور والتوافه من الأمور.
3- الروتين والرتابة يقتلان روح المسؤولية، حاول أن تجدد في أسلوب التعامل مع مسؤولياتك ولا تجمد على حالة معينة، فالركود والتقليد الأعمى، يحـولان المسؤوليات إلى أعباء لا يطيق الكاهل حملها.
4- لا تؤجِّل المسؤوليات لأ نّها تتراكم وبالتالي فقد تهمل لصعوبة القيام بها . ففي الحديث : "إيّاك والتسويف فإنّه بحر يغرق فيه الهلكى".
5- المسؤولية إثراء لأبعاد الشخصية، فبقدر ما تأخذ المسؤولية من وقتك وجهدك تعطيك عقلاً أنضج ، وقدرة على التحمل أكبر ، وتجربة أغنى ، ومعرفة أوسع.
6- الكسل والضجر عدوان لدودان للمسؤولية. إيّاك والكسل والضّجر، فمن كسل لم يؤد حقّاً، ومن ضجر لم يصبر على حق. الكسل خمول وفتور في الهمة، والضجر ملل وسأم وتبرم وانصراف عن القيام بالمسؤولية.
7- الروح الجماعية في انجاز المسؤوليات تساعد على التخفيف من ثقلها وعلى الابداع في انجازها وعلى الشعور بالمسؤولية في تحقيق مهام مشتركة تقرب الأهداف البعيدة.
8- قراءة كتاب الله المجيد وسيرة أهل البيت عليهم السلام، أفضل مجال للتثقيف بالمسؤوليات.
نتائج الالتزام بالمسؤولية:
إنّ العمل بأيّة مسؤولية والقيام بمهامها على أكمل وجه سيؤدِّي إلى واحدة أو أكثر من النتائج التالية:
1- إنّ الأخذ بمبدأ المسؤولية يفتح باب الحرِّيّة بطريقة منظمة لا تعدِّي فيها ولا ظلم، وبالتالي فإن من شأن المسؤوليات أن تغلق الباب بوجه الفوضى والانحراف واللاّ نظام.
2- من طبيعة المسؤولية انّها تفتح الآفاق واسعة على مجالات الخير كلّه، فليس هناك حد محدود للاستزادة من الخير في المسؤوليات كلّها.
3- المسؤولية توجه نشاط الإنسان وتجعله ذا موقف وإرادة وتقرير للمصير، أي أنّ الإنسان المسؤول يتحول بتحمله لأعباء المسؤولية إلى إنسان هادف لاينطلق ولايتحرّك إلاّ نحو هدف مرصود.
4- المسؤولية حسب الرؤية الاسلامية لا هويّة جغرافية لها، فهي تمتد على مساحة العالم كلّه، صحيح أنّ الأقربين أولى بالمعروف لكنّنا مسؤولون عن الإصلاح في الأرض كلّها، ولو اقتصرت المسؤولية على حدود الوطن والأمّة لما شهدنا انتشار الإسلام في بقاع الأرض وأرجاء الدنيا.
5- إنّ المسؤولية، بما تفرض من روح الالتزام، تقلص وتحجم دوائر الانحراف والجريمة والتهاون والخيانة والذلّة وكل أشكال السقوط والتواكل والكسل والتبعية، فالإنسان المسؤول يراعي متطلبات دوره في حركته في الحياة فينضبط وينتظم من خلالها.
6- المسؤولية في الإسلام تخلق حالة من الانسجام بين إرادة الله تبارك وتعالى وبين ارادة العبد المسلم، فلا تكون هناك إرادتان، إنّما هي إرادة واحدة، الله يطلب والعبد يستجيب ويمتثل، أي أنّه يمضي إرادة الله ويحققها في الأرض، مما يقدم صورة ناصعة عن كونه خليفة صالحاً: "إنّما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون" (التوبة/88) .
*المصدر / موقع (البلاغ)
|
|