الصحابي البطل صعصعة بن صوحان العبدي..
سلاح الكلمة في جبهة أهل البيت (عليهم السلام)
|
*إعداد / حيدر حسين
كثير هم أولياء الله الصالحين الذين سجلوا مواقفهم الشجاعة والخالدة دفاعاً عن الاسلام ونهج الرسول الأكرم وأهل بيته صلوات الله عليهم، فنالوا بذلك رضوان الله، وفي الدنيا ظلّوا نجوماً ساطعة في طريق الأباة والاحرار. لكن المثير حقاً في الأمر أن لا نتداول سيرتهم ولا ندخلهم في قائمة الثقافة الاجتماعية والفكرية لهذا الجيل، فيكونون بذلك قد تعرضوا للظلم مرتين؛ مرة من قبل التاريخ الذي أخفى الكثير من سيرتهم العطرة ومواقفهم البطولية أمام السلطان الجائر ومؤازرتهم لأئمتهم المعصومين، ومرةً من قبلنا نحن الذين نعد انفسنا اتباع مذهب أهل البيت عليهم السلام. من هؤلاء الصحابي الجليل صعصعة بن صوحان العبدي صاحب أمير المؤمنين عليه السلام. ربما سمع البعض اسمه ضمن اسماء خلدت مع اسم الامام علي عليه السلام، لكن من أين هو يا ترى؟ وما هو دوره في الصراع بين الحق والباطل؟ وأين مرقده؟ إن استحصال الإجابة على هذه الأسئلة وغيرها لهو دليل على شيعية الانسان المؤمن وأنه يصدق عليه القول: (يا ليتنا كنّا معكم فنفوز فوزاً عظيما).
ولد صعصعة في جزيرة (دارين) بمنطقة القطيف سنة (24) قبل الهجرة الشريفة، وتُعد القطيف اليوم من أبرز وأهم المدن التي يقطنها الشيعة شرق السعودية. هذا التاريخ يدلنا على أن صعصعة كان يبلغ من العمر (37) عاماً عندما هاجر النبي الأكرم الى المدينة وأسس هناك أول دولة اسلامية. وإذن، فهو من الرعيل الأول الذين دخلوا الدين الاسلامي الحنيف.
أما عن صحبته للنبي الأكرم صلى الله عليه وآله فقد شكك بعض المؤرخين من امثال ابن حجر العسقلاني، وجاء في كتابه (الاصابة في تمييز الصحابة) ما نصه: (صعصعة بن صوحان له ذكر في السنن مع عمر. ذكر الإمام أبو بكر الطرطوسي في مصنفه في السماع أنه من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر له مسند وما أظنه ذكره كذلك إلا بالتوهم لشهرته في عصر كبار الصحابة). لكن هنالك مصادر تؤكد أن صعصعة شاهد النبي الأكرم وعاصره لفترة من الزمن، وعاصر الفترة التي تلت رحلة النبي وما حصل من تحويل الخلافة الاسلامية الى ملكٍ عضوض يتوارثه طلاب السلطة والحكم.
لقد ورث صعصعة النبل والاصالة من أسرته العريقة فهو من آل صوحان وهي أسرة تنتمي إلى قبيلة (عبد القيس) من (ربيعة) التي عرفت بولائها الخالص لأمير المؤمنين عليه السلام، أما رأس هذه الأسرة (صوحان) والد الصحابي الجليل، فقد كان سيداً مطاعاً في قومه، و رئيسا نافذ القول فيهم، وقد عرف عن صعصعة أنه كان خطيباً فصيحاً مصداقاً لقول ابن عباس له (إنك لسليل اقوام كرام خطباء فصحاء ماورثت هذا عن كلالة).
وقبل ان نتناول شخصية هذا الصحابي الجليل بشيء من التفصيل، لابد من القول: إن هناك خطّين واكبا مسيرة الاسلام منذ بزوغ فجره: الأول: خطٌ يدعو الى التمسك بالمبادئ الاسلامية وبنهج الرسول الأكرم وأهل بيته صلوات الله عليهم، والتضحية بالغالي والنفيس في هذا الطريق. والثاني: يمثل الطغاة والجبابرة الذين يريدون الحفاظ على مصالحهم والإبقاء على مناصبهم بكل الوسائل. كان صعصعة يمثل الخط الاول والالتزام بالمنهج الإلهي وبوصايا الرسول محمد صلى الله عليه وآله وبولاية أمير المؤمنين عليه السلام.
سفير أمير المؤمنين
يجب أن نعرف صعصعة بن صوحان بانه صوت الرسالة، واللسان البليغ أمام أعداء أمير المؤمنين، فلم يكونوا ليقدروا على افحامه، فقد كان قوي البيان سريع البديهية شديد الحجّة، اعتمد عليه أمير المؤمنين في نقل رسائله وتحذيراته الى معاوية في الشام. لذا وصفه الإمام بـ (الخطيب الشحشح)، وقد شهد مع إمامه حروبه الثلاثة (الجمل وصفين والنهروان)، وقال عليه السلام في حقه: (وأنت يرحمك الله فلقد كنت خفيف المؤونة كثير المعونة). ولعله يتميز بين أصحاب أمير المؤمنين فيمن يشيد به الامام الصادق عليه السلام بقوله: (ما كان مع أمير المؤمنين من يعرف حقه إلا صعصعة وأصحابه).
جاء في (مروج الذهب) أن الإمام علي أرسله بكتاب إلى معاوية، فلما بلغه وصوله قال معاوية لغلامه يصف صعصعة: (والله لقد بلغني أمره، هذا أحد سهام علي وخطباء العرب، ولقد كنت إلى لقائه شيقاً...)، وبعد لقائه بصعصعة أراد أن يختبر قريحته فسأله بعض الأسئلة وكانت أجوبة صعصعة بليغة وسريعة دون تكلف، حتى أن انتهى الحديث معه قال معاوية لأصحابه في حق صعصعة: (لشيء ما سوده قومه – أي جعلوه سيداً- وددت والله أني من صلبه، ثم التفت إلى بني أمية فقال: هكذا فلتكن الرجال) انتهى[4]
هذه القوة في البيان والشجاعة في التصدي للباطل جعلت صعصعة يكون رديفاً للصحابي الجليل أبي ذر الغفاري، فقد كان يصدح بالحق حاملاً روحه ومصيره على كفيه لا تأخذه في الله لومة لائم. وبما ان صعصعة سكن الكوفة، فقد عقد العزم على فضح الفساد والظلم الأموي المتمثل آنذاك في المغيرة بن شعبة حتى شكاه الى معاوية فأمر بنفيه الى البحرين.
قوة البيان لفضح الباطل
ذكر الطوسي في (الأمالي) قصة الحوار الذي دار بين صعصعة والخليفة الثالث يتضح فيه مدى فصاحة وقوة الحجة وسرعة البديهة لابن صوحان، يقول: دخلت على عثمان بن عفان في نفر من المصريين فقال عثمان: قدموا رجلا منكم يكلمني، فقدموني، فقال عثمان: هذا؟ ـ وكأنه استحدثني ـ فقلت له: إن العلم لو كان بالسن لم يكن لي ولا لك فيه سهم ولكنه بالتعلم. فقال عثمان هات. فقلت: بسم الله الرحمن الرحيم "الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ" ، فقال عثمان: فينا نزلت هذه الآية. فقلت له: فمر بالمعروف وانه عن المنكر!
فقال عثمان: دع هذا وهات ما معك. فقلت له: بسم الله الرحمن الرحيم "الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ" إلى آخر الآية. فقال عثمان: وهذه أيضاً نزلت فينا. فقلت له: فأعطنا بما أخذت من الله! فقال عثمان: يا أيها الناس عليكم بالسمع والطاعة، فان يد الله على الجماعة، وان الشيطان مع الفذ – يقصد الفرد- فلا تستمعوا إلى قول هذا، وان هذا لا يدري من الله ولا أين الله. فقلت له: أما قولك: عليكم بالسمع والطاعة فانك تريد منا أن نقول غدا: "رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَ"، وأما قولك: أنا لا أدري من الله، فان الله ربنا ورب آبائنا الأولين، وأما قولك: أني لا أدري أين الله، فان الله تعالى بالمرصاد. قال: فغضب وأمر بصرفنا وغلق الأبواب دوننا.
جهاد الكلمة حتى الشهادة
واصل صعصعة جهاده للظلم والطغيان والانحراف الذي ضرب اركان الامة الاسلامية منذ رحيل الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، فبعد استشهادالامام علي عليه السلام في محراب صلاته، واكب الرسالة مؤازراً إمامه وسيده الحسن المجتبى صلوات الله عليه، وكان من جملة الاشخاص الذين كان يخشاهم معاوية ويطاردهم للتخلص منهم. وجاء أن الامام وبعد التوقيع على الهدنة أخذ الأمان من معاوية لصعصعة وعدد آخر من كبار الصحابة في الكوفة، وقد سمّاهم الامام باسمائهم في كتاب له، ويروى أنه لما دخل على معاوية في الكوفة قال لصعصعة: أما والله إني كنت لا بغض أن تدخل في أماني! قال وأنا والله أبغض أن أسميك بهذا الاسم... وثمة تكملة تركناها لطول المقال، نرى كيف أن هذا الصحابي ذوالمنطق وذو اللسان الذرب، قلب لعن أمير المؤمنين على معاوية وأخذ المسلمون في المسجد يأمون على دعائه بلعن معاوية وليس كما اراد الاخير.
توفي صعصعة ابن صوحان سنة 60 هـ وقد اختلف في موضع قبره حيث ذكر ابن سعد في طبقاته أنه توفي بالكوفة إبان حكم معاوية، ويخالف هذا الرأي صاحب كتاب (العتبات المقدسة في الكوفة) بقوله: إنه لم يعرف إلى الآن أن لصعصعة قبر لا بالكوفة ولا ضواحيها القديمة، وتقول مصادر أخرى إن مرقده مشيداً ومشهورا في جزيرة عسكر بالبحرين.
|
|