قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

إنه التعب النفسي لا الجسدي
*إعداد / عبد الله ابراهيم
دائماً يشكو البعض او كثير منّا التعب، وهو خمول وتراخٍ في عضلات البدن، وشعور ملحّ بالركون الى السرير او الوقوف امام نافذة او أي حركة أخرى تكون بعيدة عن الجهد العضلي او الذهني. علماً ان التعب حالة طبيعية وليست دخيلة على الانسان، تأتي نتيجة لمزاولة عمل مهني معين لساعات مديدة، او مطالعة كتاب او الإمساك بالقلم والكتابة على اوراق متتابعة، أو حتى من يمارس التمارين الرياضية، لكن اللافت أنّا نلاحظ البعض ممن لا يعرف عنهم الاجهاد وممارسة اعمال معينة عضلية أو ذهنية، ثم يعربون عن تعبهم وخمولهم وحاجتهم للاستراحة والاسترخاء!
كم من المرات التي تشعر فيها بتعب يفوق الوصف من دون ان تكون قد حفرت جبلاً، او بنيت برجاً، او حملت على ظهرك طناً من الحديد؟
ماذا يتعبك...؟
انه التعب النفسي، وهو نوع من الانذار المبكر بأن هنالك شيئا لا يبعث على الارتياح لا بد من معالجته.
ان الاستراحة هي علاج التعب الجسدي. ولكنها بالنسبة الى التعب النفسي تزيده ولا تنقص منه.
لنعالج التعب النفسي
هنا يكمن احد مفاتيح النجاح.
لنتعرف أولاً على اسباب هذا التعب. ربما يكون الاخفاق في اداء الواجب المنشود واحدا من اكبر اسباب الاجهاد العصبي في حياة الانسان فليس هناك ما يوهن العزيمة اكثر من القصور عن النجاح والتخلف حيال جدار يسد الطريق ويحول دون التقدم فينتهي الامر بالدوران في حلقة مفرغة. الفشل يولد التعب والتعب يبعث على استصعاب العمل وبالتالي يفضي الى الاخفاق. ويعاني المرء وطأة التعب في مجالين رئيسين: تعب البداية وتعب الاداء. ففي الحالة الاولى يستمر المرء في تأجيل الشروع في عمل هو ملزم على نحو ما بانجازه، اما بسبب طبيعة العمل المملة واما بسبب صعوبته، فيميل الى التهرب منه. وكلما طالت مدة التاجيل تزايد شعور المرء بالتعب.
أولاً: تعب البداية:
انه تعب حقيقي بالفعل وان لم يكن في الواقع تعبا بدنياً ينتاب العضلات ويرهق العظام ولهذا النوع من التعب (تعب البداية)، علاج جلي واضح، على الرغم من انه ليس سهل التطبيق، عنيت به ممارسة الارادة.
وافضل علاج لتعب البداية هو التصدي له. فعندما تشعر بانك تتأبى القيام بعمل معين، وتحاول ان تتنصّل منه، فتدسه تحت كومة من الملفات الاخرى وكأنك تريد ابعاده عن ناظريك، فان افضل طريقة هو ان تستنجد بلحظة ارادة، وتقوم بإخلاء مكتبك من كل الملفات الا الملف الذي تريد ابعاده عنك، وتتصدى لانجازه قبل سواه على الاطلاق. فاذا اردت ان تتجنب تعب البداية فعليك ان تتصدى لاصعب المهمات. ولا بأس هنا بذكر تجربة مدير معهد البحوث الفلسفية في مدينة شيكاغو في ولاية ألينوي الامريكية، ورئيس مجلس تحرير (دائرة المعارف البريطانية) الذي التزم مع نفسه هذه القاعدة: (التصدي للاصعب).
يقول: (حينما كنت أعد لنشر سلسلة (الروائع في عام الغرب) شرعت في كتابة مئة ومقالين يتناول كل منها الفكرة الكبرى التي ناقشها كل من مؤلفي تلك الكتب. وقد اسغرقت مني كتابة هذه المقالات التي كنت أعنى بها الى جانب اعمالي الاخرى، عامين ونصف عام، طوال سبعة ايام في الاسبوع، ولو كنت سمحت لنفسي بان اتصدى اولاً للافكار التي بدت لي سهلة بالنسبة الى غيرها لما كنت انتهيت قط من ذلك العمل ولكنني التزمت بالقاعدة التي وضعتها لنفسي فصممت على ان اكتب المقالات بالترتيب الابجدي الصارم من دون ان اتخطى اي فكرة صعبة. وكنت ابدأ يومي دائما بالعمل الصعب الذي تمثله كتابة المقالات. وفي النهاية اثبتت الخبرة مرة اخرى ان هذا القاعدة مثمرة تماماً).
انك قد تشعر بالتعب لان هنالك مهمة ما لا بد من ادائها تضغط على اعصابك، والحل هنا ان ترديها، وتريح اعصابك. هذا عن تعب البداية.
ثانياً: تعب الاداء:
ان ذلك اصعب من تعب البداية، لان الانسان في هذه الحالة لا يتقاعس عن الشروع في العمل، وانما يبدو قاصرا عن انجاز المهمة التي يقوم بها لاسباب نفسية بحتة.
انك حينما تواجه مشكلة ما وتشعر بانك غير قادر على التغلب عليها فلن ينفعك التفكير المباشر فيها، بل لابد حينئذ من ان تريح عقلك المباشر، لتستنجد بعقلك الباطني. فكما انك لو ضيعت شيئا، ثم لم تفلح جهودك في العثور عليه، فلابد من ان تترك البحث فترة، لتجد كيف ان عقلك الباطني يدلك عليه، كذلك الامر بالنسبة الى المشاكل التي تعترضك فتسبب لك تعبا نفسيا يمنعك من المواصلة.
ان في كل واحد منا طاقات ضخمة قد يمنع تدفقها سد نفسي عابر، فاذا أرحنا عقلنا بعض الوقت، فان هذا السد سوف ينهار لتنبعث فينا الحيوية والنشاط وتنطلق تلك الطاقات.
واذا ساورتك المشاكل المستعصية فعلاً، فهنالك طريقة نافعة يمكنك تجربتها لاثارة العقل الباطني وهي ان تكتب على الورق جميع الاسباب التي تجعل المشكلة امرا غير قابل للحل فعلا، ثم حاول ان تحاصر نفسك فعلا، على غرار ما يفعله بعض السحرة حين يضع نفسه داخل صندوق محكم بحيث لا يبدو امامك اي منفذ، وفي هذا الوضع فقط يمكنك الخروج من الحصار، حيث يفسح المجال لعقلك الباطني كي يعينك على حل المشكلة، وتأكد ان العقل الباطني لن يخذلك في تسع حالات من عشر ويوحي اليك بايجاد الحل.
وقد لا يكمن الشرك احيانا في حل المشكلة نفسها وانما في الظرف الاجتماعي بالذات، أو هكذا يبدو الامر وكأن الآخرين يقفون على نحو ما حجر عثرة بيننا وبين النجاح. ولقد قال شكسبير: (ليست النقيصة في طالعنا وانما هي فينا نحن). ولماذا ننحي باللائمة على الاخرين ونتهرب من مسؤولياتنا نحن في سوء الفهم؟ ان النجاح في اداء مهمة ما معناه القيام بكل ما يستلزمه هذا النجاح، بما في ذلك كسب تعاون الاخرين.
ومن هنا فانه كثيرا ما يكون العائق الذي نصطدم به شخصيا محضا. فنحن نترك انفسنا نهبا لبواعث التشتت الانسانية ونتيح للمشكلات الشخصية ان تثقل كواهلنا بما يؤدي بنا الى (التعب الفاشل) الذي يصد امامنا سبل الانتاج في كل مجال.
ان اول خطوة ينبغي ان نخطوها هي ان نتخذ من التعب الذي يتعذر تعليله ولا يعود امره الى سبب بدني نذيرا يحملنا على رد هذا التعب الى مصدره الحقيقي، فنجد في البحث عن الهزيمة التي نحاول سترها ولا نبغي الاعتراف بها. وعلينا بعد ذلك ان نشخص سبب هذا الفشل. وقد نجد في بعض الحالات النادرة ان المهمة في حقيقة الامر صعبة التحقيق وانما تتجاوز طاقتنا. فاذا كانت الامور كذلك فما علينا الا ان نسلم بحقيقة الوضع ونعتذر عن المضي فيه. وقد تكون العقبة كامنة في رفضنا مواجهة المشكلة وهنا يكون الحل في معظم الحالات توجيه اهتمامنا بصبر ومثابرة الى العمل المطروح ومعالجته بكل ما نملك من مهارة وعزم، مع الاعتماد على الهام عقلنا الباطني.
واما الخطأ الاكبر فهو ان نعتبر التعب العقلي وكأنه تعب بدني. ففي حال التعب البدني، نستطيع ان نبرأ منه بان نتيح لاجسامنا فرصة الراحة لكن التعب العقلي الناتج عن الفشل فلا يمكن التخلص منه بالاستسلام له واللجوء الى الراحة لان ذلك يزيد المشكلة تعقيدا، وأياً تكن العقبة النوعية التي تعترض الطريق فلابد من ازالتها، وبسرعة قبل ان يكتسحنا تعب الفشل.
واعتقد انه لابد للانسان من ان يحاول احراز النجاح باعتبار ان هذا السعي امر ضروري يستدعيه تكويننا الاحيائي. ويكفي القول ان النجاح - من دون ان اتعرض هنا لتحديد فحواه- مرتبط بممارستنا المستمرة الرفيعة تلك النشوة والبهجة التي يجنيها الانسان من ممارسته الطليقة لطاقاته. بل ان النجاح في اختصار يكمن في التفوق على التعب.