نحو بناء المؤسسات
|
محمد علي
في الطريق لبناء دولة االمؤسسات فإننا بحاجة لاتخاذ خطوات جادة من أجل الوصول إلى تحقيق نتائج عملية على أرض الواقع على أكثر من صعيد، وهذه الخطوات ينبغي أن تكون حالة دائمة لأن بناء الدولة الحديثة ليس مجرد شعار أو ادعاء وإنما يرتبط بكثير من المقومات التي تقوم عليها الدولة من نظم إدارية وسياسية واقتصادية، وهذا يعني وجود حالة من التقييم الدائم وكذلك المراقبة والمحاسبة وإعادة صياغة النظم والإطارات غير المجدية أو الفاشلة أو الفاسدة، وهذا أمر طبيعي فنحن لسنا بدعاً من الشعوب والمجتمعات فالدول المتقدمة في عالم اليوم والتي وصلت إلى مراحل متقدمة في بناء الدولة الحديثة مرت بتجارب مريرة إلى أن وصلت إلى ما وصلت إليه ولكن علينا أن ندرس تجارب الآخرين وأن نعمل بشكل جاد وهو ما نفتقده في سياساتنا التي تفتقد إلى الكثير من الجدية ولذلك نرى أن الكثير من القضايا قد تثار إعلامياً وسياسياً ويتم تداولها على أكثر من صعيد ولكن عندما نأتي إلى نقطة الحسم تتوقف الأمور وتتحطم أحلام الناس في حل مشاكلهم وهو ما يلاحظ بشكل جلي وواضح، حيث أن قضايا مثل الخدمات من كهرباء وصحة وتعليم وإسكان وغيرها، و الأمن، والفساد، والفقر، والزراعة، والملف الاقتصادي، والحكومي والبرلماني عموما، ومايتعلق بهما من إدارة و"تنضيج "، والى آخره من ملفات.. طرحت ولاتزال مرارا وتكرارا، على أعلى المستويات، وصرفت ولاتزال الكثير من الأموال والميزانيات "الانفجارية" والجهود ،على هذه القضايا والملفات الحساسة ولكن الناس حتى اليوم لايرون ويلمسون جدية كافية في الحلول وعلاج هذه الملفات والازمات، وأن الأمور بقيت على حالها، تراوح مكانها، إن لم تتفاقم بشكل أكبر.
إن بقاء الكثير من القضايا العالقة على الرغم من أهميتها بالنسبة للمواطن يكشف بشكل كبير عن حقيقة مهمة وهي غياب "الدولة" في بلادنا، حيث إنه لا يكفي أن نتوسل بالمظاهر الخارجية لكي نتشبه بالدول المتقدمة ديمقراطياً بينما الجوهر مفقود لدينا، فقد نتحدث عن إطارات سياسية ونجري انتخابات نيابية ومجالس محافظات، فقد يكون لدينا مجالس بلدية وبرلمان على غرار ما هو موجود في الدول الديمقراطية ولكن الفارق حتى الآن كبير بين واقعنا وواقع الآخرين في المضمون والنتائج المرجاة. و قد يرى البعض في أن تجربتنا متواضعة وهي في بداية الطريق وأن الطريق طويل وأن علينا أن نصبر ونتحمل إلى أن "تنضج" التجربة، ولكن كل تجربة بحاجة إلى مراجعة وبحاجة إلى تقييم والأهم من كل ذلك بحاجة إلى دراسة النتائج والانجازات التي تمت وهي تشير بكل وضوح إلى إخفاقات كبيرة على أكثر من صعيد، والأسوأ من ذلك أنها "مكلفة" للمال العام والخزينة التي تتحمل مليارات حسب الإحصائيات بينما في المقابل يعاني المواطن المسكين من "شح" و"بخل" فقر وغلاء معيشة و....
إن الإصرار على المضي في اسلوب متعثر ووعر للادارة، وغياب التخطيط العلمي و"الرؤية الاستراتيجية"، علاوة على أنه غير منتج، هو أمر يدعو للاستغراب والحيرة أيضاً ويطرح تساؤلات مشروعة في جدية التطوير والتغيير في بلادنا ويلقي بظلال من الشك على وجود جدية حقيقية في بناء دولة والمؤسسات التي تلبي حاجات الناس وتحميهم وتضمن لهم حقوقهم ومطالبهم العادلة والمشروعة، وما لم نسارع لتصحيح المسارات الخاطئة ونتخلص من العقد والترسبات ونخرج من دائرة التخبط والقلق والبحث عن المصالح الفئوية الضيقة، ونخرج من عقدة وثقافة السلطة و" الكرسي" والاستهلاك الشعاراتي "سياسيا واقتصاديا وثقافيا" الى ثقافة "الدولة" والانتاج والتخطيط، فإن أزماتنا سوف تبقى مفتوحة وربما حادة ولا بد أن يعي الجميع أن الحل يكمن في وجود الدولة القادرة على حماية التجربة والمجتمع و الناس جميعاً، على كافة الصعد، ولا يمكن تحقيق هذا الأمر إلا في ظل دولة المؤسسات التي تقوم على أسس المساواة والتوزيع العادل للثروة وتكافؤ الفرص ضمن منظومة الأخلاق والقيم الدينية والإنسانية الراقية.
والله من وراء القصد.
|
|