فيما المسؤولون يلوذون بالصمت
نواب و وزراء ينهكون ميزانية الدولة برواتبهم المليونية
|
بغداد/ وكالات
أنهكت رواتب وامتيازات الوزراء والبرلمانيين ميزانية الدولة على مدار السنوات السبع الماضية. وشابت الضبابية عملية توزيع التخصيصات المالية للمسؤولين، وحتى اليوم لا تعلن تلك الأرقام أمام وسائل الإعلام أو الرأي العام.
وقال القاضي وائل عبد اللطيف، النائب المستقل في البرلمان السابق، أن جهات عديدة رفض تسميتها، قامت بمحاربته بسبب مطالبته المستمرة بتخفيض مرتبات وامتيازات مسؤولي النظام الجديد في العراق.
عبد اللطيف الذي طلب للوهلة الأولى عدم الخوض في الموضوع "لعدم جدواه" على حد قوله، عاد ليقول "هناك تحايل على القانون والدستور في هذا الشأن مورس على مر السنوات الماضية لابقاء الامتيازات والمرتبات على حالها".
وأشار عبد اللطيف وهو أول محافظ للبصرة بعد سقوط صدام الى أن مجموع ما يتقاضاه الوزير وعضو مجلس النواب ، كمرتب اسمي لمدة شهر واحد فقط يبلغ ما مقداره 12 مليون و900 ألف دينار، أي ما يعادل 10 الاف و800 دولار أميركي، بشكل مقطوع. ويتضمن هذا المبلغ مصاريف الحماية والنفقات الأخرى للشهر الواحد، ولا تشمله أي ضرائب.
أرقام عبد اللطيف تتطابق مع أرقام نقلها إلى موقع "نقاش" مصدر مطّلع في البرلمان طلب عدم الكشف عن اسمه "كي لا يتعرض لعقوبات إدارية من مرؤوسيه".
و وفقا لهذه الأرقام، فإن مجموع ما يتقاضاه عضو مجلس النواب في السنة الواحدة يصل لحدود 129 ألف و600 دولار أميركي، لتبلغ في أربع سنوات من عمر البرلمان حوالي 518 ألف دولار أميركي. ويستمر النائب في الحصول على 80 في المئة من راتبه كراتب تقاعدي مدى الحياة.
وتبدو الأرقام مذهلة في ضخامتها إذا ما قورنت مع متوسط الدخل في العراق، فمتوسط دخل الفرد العراقي حسب بيانات رسمية بلغ 266 دولار شهريا (3200 دولار سنويا) في عام 2008، أي أن مرتب النائب يزيد باكثر من 40 ضعفا عن متوسط دخل المواطن في العراق.
وتبدو المقارنة مؤلمة أكثر إذا ما علمنا أن مرتب عضو برلمان في بلد أوروبي ذي اقتصاد قوي كألمانيا يبلغ حوالي سبعة آلاف يورو شهريا خاضعة للضريبة، كما يتقاضى النائب الألماني 4 آلاف يورو كمصاريف عمل. اي أن مرتب النائب العراقي قد يزيد عن نظيره الألماني بعد اقتطاع الضرائب من الأخير، بالرغم من الفارق في مستوى المعيشة بين البلدين وفي متوسط الدخل.
ويحصل أعضاء البرلمان العراقي على امتيازات إضافية عن نظرائهم في أي بلد آخر، فقد شهدت أروقة البرلمان العراقي في اواخر العام 2009 ثلاث جلسات سريّة، صوت الأعضاء فيها بالإجماع على قانون يمنحهم وزوجاتهم وأولادهم جوازات سفر دبلوماسية لمدة عشر سنوات، برغم أن البرلمان وفي نفس الفترة كان قد تعثّر مرارا في إقرار قانون الانتخابات التشريعية بسبب تغيب الأعضاء عن الاجتماعات المخصصة لتمرير القانون.
وقد أثارت تلك الجلسات السرية سخطا واسعا في شرائح المجتمع العراقي والمثقفين على من انتخبوهم كممثلين لهم. وفي جلسات أخرى أقر النواب العراقيون قانوناً يمنحهم حق تملك قطعة أرض في أي مكان يرغبون فيه، كما نجحوا في اعتبار مبلغ قرض سابق قدم للنواب لشراء سيارات بقيمة 70 مليون دينار (حوالي 60 ألف دولار) منحة "لأنها صرفت على سيارات استهلكت في العمل".
المصدر الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أشار إلى امتيازات إضافية حصل عليها النواب، منها سلف مالية معفية من الضرائب لغرض "تحسين مستواهم المعاشي" وصلت مقدارها لحدود 90 مليون دينار، أي ما يعادل 76 ألف دولار. وأضاف المصدر أن "هذه السلف سيتم تسدديها بشكل مريح عن طريق استقطاعات من مرتباتهم التقاعدية التي ستبلغ قيمتها ما نسبته 80 بالمئة من حجم مرتباتهم أثناء الخدمة".
وعلى الرغم من أن الدستور العراقي نص بشكل واضح على ضرورة إصدار قانون يحدد مرتبات وامتيازات الرئاسات الثلاث وبقية المسؤولين الكبار، ونشره في جريدة الوقائع الرسمية، إلا ان ذلك لم يحصل حتى هذه اللحظة.
وبعد شهور من تقديم مقترحات من قبل بعض أعضاء مجلس النواب لتقليل رواتب النواب والوزراء وتخفيض مخصصات المنافع الاجتماعية للرئاسات الثلاث، اقر مجلس النواب في موازنة 2010 تخفيضات بنسبة 10 بالمئة على تلك الرواتب، وهي ما عدها كثيرون تخفيضات شكلية ولا تتناسب مع ضخامة تلك المنافع والرواتب.
أما بخصوص المبالغ المخصصة للرئاسات الثلاث من منافع اجتماعية ومصاريف عمل، فقد أشار المصدر إلى أن "هناك ضبابية وغموض يغلف مقدار تلك المبالغ". وعزا المصدر هذا الغموض إلى "توافق بين مختلف الاطراف الرئيسية على عدم إثارة الموضوع او التطرق اليه في وسائل الاعلام، والتوجيه للموظفين والكوادر الدنيا في المؤسسات الحكومية المعنية، بعدم التصريح عن اي شيء يتعلق بالموضوع".
|
|