من المصطلحات القرآنية
(العزّة بالإثم)
|
إعداد / عباس عبد الأمير
هل يمكن أن يكون الإثم عزيزاً؟!
إنه سؤال عريض وجدير بالتأمل، لأن الانسان يعرف بفطرته إن البرّ والحق، قيم ايجابية محببة الى النفس، لذا فهو دائماً يدعيها لنفسه وإن كان هو ليس أهلاً لها لسبب أو لآخر، أو لوجود التناقضات والمغالطات التي طالما تضرب سلوك الانسان، وفي نفس الوقت يعرف هذا الانسان إن الإثم والباطل وغيرها من القيم السلبية مدعاة للنفرة والتقزز والتبرؤ أيضاً، فهو لايمكنه التصريح بتبنيه هكذا قيم علانية وبالفمّ المليان مهما كانت الظروف.
هذا واضحٌ للجميع؛ لكن القرآن الكريم وهو دستورنا المتكامل والنور العظيم في مسيرة ا لحياة، يقول إن الانسان تنتابه أحياناً حالة (العزّة بالإثم) أي نراه يعتزّ ويتمسك بهذه القيمة السلبية غير المحببة، فلماذا يحصل ذلك؟
جاءت عبارة (العزّة بالإثم) في سياق الآيات المباركات من سورة البقرة: "وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ"، في تفسير (من هدى القرآن الكريم) لسماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي (دام ظله)، يستلهم سماحته من هذه الآيات حالة النفاق التي قد تصيب البعض، وهي التي تجعل الانسان يتخذ هكذا موقف.
وفي معرض تبيينه لهذه الآيات (204 إلى 206) يقول سماحة المرجع المدرسي: (الصفة الواقعية للمنافق هي عدم التقوى، إنه يصوّر نفسه فوق الحق وفوق قيم الله في الأرض فلا يرى ضرورة للخضوع للحق، بل تأخذه العزّة والأنفة، فاذا به يعتزّ بالأعمال السيئة التي يرتكبها ويصورها على أنها حسنة لمجرد انها صادرة منه فهو يعتز بالإثم بدلاً من أن يعتزّ بالحق). ويضيف سماحته في هذا السياق: (إن صفة المنافق الجذرية هي التمحور حول الذات وجعلها مقياساً للحق وهي صفات مقابلة تماماً للتقوى وهي جعل الحق مقياساً للحقيقة أبداً...).
إذن، فإن موقفاً كهذا لا يصدر إلا من منافق، فهو الذي تجتمع فيه الخصال الذميمة وفي مقدمتها تبرير كل الخطايا والمعاصي، ويُضاف اليها صفة التكبّر والعلو على الحق والقيم الإليهة، لكن الله سبحانه وتعالى بالمرصاد لمثل نماذج كهذه، فلا يتصور البعض أنهم بتغطية سلوكهم العام ببعض الأعمال الحسنة أن يتمكنوا من استغفال الناس والمؤمنين وتمشية أعمالهم وشؤونهم، فالقرآن الكريم هنا يعطينا أداة الاختبار والعنصر الحاسم والقاصم، إنها التقوى؛ هذه الصفة إن عُرضت على أي انسان فانه سيتلقاها بأذن واعية، ويحاول أن يجسد هذه الصفة في نفسه، إلا المنافق الذي يجد الدعوة الى هذه الصفة بمنزلة مطرقة المحكمة له، فيهتزّ لها قلبه المريض وينقلب ظاهره الى ما كان يستبطنه ويخفيه، ومن ثم يمكن كشف زيف المنافق بكل سهولة وتخليص المجتمع من تناقضاتهم وفتنهم.
|
|