يمتهنون "التصفيق"!
|
نعمان التميمي
من منا لايتذكر كيف كان الناس يهتفون ويصفقون لـ"القائد الضرورة" و"الحزب القائد" بمناسبة ودون مناسبة، بعضهم باختيار وقناعة منهم ـ ولايزالون ! ـ، واغلبهم خوفا وجبرا. حتى غدت "ثقافة" التصفيق والهتافات، ظاهرة مرضية في المجتمع لاتزال جذورها وظلالها مستمرة بشكل وآخر حتى بعد زوال ذلك الطاغوت ونظامه القمعي !؟. وهذه الثقافة تكاد تكون امتيازا وماركة مسجلة للشعوب العربية للأسف الشديد، ابتكرها وصنعها واعطى الشهادة عليها النظام العربي بعمومه، لما وجد ولايزال بيئة حاضنة ونفوس متقبلة.. واخيرا ظهرت للايادي العربية التي "ادمنت" التصفيق، مهنة مربحة، فالفضائيات العربية ـ وعلى شاكلة الانظمة ـ الغارقة في العري وتسطيح العقول والاسفاف، بحاجة دائمة الى تسويق بضاعتها الرديئة، ومكيجة برامجها التافهة بجمهور بائس يتم احضاره للاستوديوهات لتسجيل برامج حافلة بـ"التصفيق" لكل مايطرح ومايقال ومايعرض..
فقد أظهرت دراسة حديثة أن المئات من الشباب والشابات العرب يمتهنون مهنة التصفيق في خلفيات برامج "التوك شو" على الفضائيات كوسيلة للحصول على مردود مالي. وتفيد الدراسة بأن هذه المهنة تلقى إقبالاً كبيراً من الشباب العرب وهي في تزايد كبير يوماً بعد يوم نظراً للظروف الاقتصادية التي يمرون بها ولتدني الأجور في الأعمال الأخرى ولتحقيق حلم الشهرة على التلفاز. ويخضع العاملون في مهنة التصفيق في برامج الـ"توك شو" لتدريبات مكثفة لاتقان "فن التصفيق"؟!.
نعم .. انه فن ! ويحتاج الى إتقان، ومن اقدر من العرب ـ ونحن منهم بطبيعة الحال ـ على اتقان هذا الدور!. ولا ادري اهو من حظنا العاثر وهوان انفسنا وانكسارنا الداخلي، ام هو من حظ الانظمة والحكومات والرؤساء والساسة ان يلاقوا اناسا تصفق دون مقابل، او كما في حال الفضائيات، مقابل مردود مالي ليستمر الحال على ماهو عليه .. ناس تصفق وناس تبكي على المصفقين!.
تصفيق للرؤساء والوزراء، وللعطايا والهبات و"المكرمات" من "كيس" الحكومة !، وللسياسيين والاحزاب و المحللين، لاسيما قبل واثناء كل انتخابات نزيهة مثمرة!، تصفيق لكل مؤتمر وندوة، لكل منّة بزيادة بعض الدنانير الى رواتب المسحوقين، كالمتقاعدين والارامل في شبكات تسمى بـ"الحماية الاجتماعية" ولا ادري كيف وبأي شيء ومن اي شيء تحميهم وتوفر كرامتهم وهم يلاقون الاذلال في سبيل الحصول عليها ؟!.
لكل قانون او تقديم مشروع قانون في البرلمان ليدخل نفق الخلافات والتسويف، لكل وعد كاذب بزيادة و بتحسين مفردات التموينية، او بحجبها عن الاثرياء من مسؤولي الدولة، فإذا بها لاتشمل إلا شخصا واحدا هو سعادة المسؤول فقط .
لكل وعد مزيف بتوزيع مئة متر او اقل من "ارض الله الواسعة" للفقراء والمعدمين (من غير الموظفين) لتأمين ابسط حقوقهم في السكن، فإذا بالحكومة وكبار المسؤولين المساكين رعاهم الله من حر الصيف وبرد الشتاء، يقومون بالمسؤولية على اكمل وجهها، فيتم الطلب بالاسراع بتخصيص تلك الاراضي ولكن ليس بمائة متر بل 600 متر مربع على ضفاف دجلة وافضل المناطق، ولكن ايضا ليس للمواطن العادي، بل للمسؤول المسكين الـ"فول ابشن" الذي يعاني من ازمة سكنية خانقة.
لكل تبليط شارع ثم حفره لعشرات المرات وتبليطه مجددا، لكل افتتاح رصيف، لكل مشروع مهما كان، انجز ام لم ينجز، لاسيما اذا ماتم وضع حجره الاساس ليبقى كشاهدة القبر !،، لكل وعد جديد من عرقوب، للكرة، للفوازير والمحيبس والمسلسلات المدبلجة والمطربين والمطربات.. تصفيق لكل شيء وعلى كل شيء.. تصفيق احيانا بإرادة، و احيانا قهرا وغصبا، وفي كثير من الاحيان كالهلوسة، دون ان نعرف لماذا؟!.
|
|