قسم: الاول | قبل بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

الحياء والخجل. . من حاجز نفسي الى جسر للتواصل والتقدم
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة *إعداد / كريم الموسوي
يحثّ الاسلام دائماً على النشاط والعمل الدؤوب والبحث عن فرص النجاح في الحياة والكسب والتقدم... هذه المفردات قرنها بأخرى من قبيل الاقدام والشجاعة والثقة بالنفس والأمل، وقد زخر القرآن الكريم وأحاديث المعصومين عليهم السلام بالكثير من الوصايا في هذا الشأن، ومن معوقات النجاح والتقدم حاجز (الخجل) الذي يقف عنده الكثيرون، هذا الحاجز النفسي يسبب الحرمان والتخلف والهزيمة النفسية. يقول أمير المؤمنين عليه السلام: (قُرنت الهيبة بالخيبة، والحياء والحرمان)، فالخجل يمنع الانسان من ممارسة دوره الطبيعي في الحياة، يقول عليه السلام: (الحياء يمنع الرزق).
ما هو الخجل؟ وكيف نتعامل معه؟
يقول علماء النفس: (إن الخجل هو انكماش عن الاتصال بالناس، وينجم عادة عن شعور بالنقص او الخوف من المجازفة. وهو قوة عازلة تمنعنا عن إدراك ما لدينا من إمكانات وقدرات كامنة وعن التمتع برفقة اشخاص آخرين).
ويعتقد ان الخجل ليس حالة طبيعية، فلا يولد أحد خجولاً، بل إنه يكتسبه من حياته، فهو ينشأ من معاناة نختبرها في المنزل والمدرسة وعند الاختلاط مع أندادنا. وقد اظهرت البحوث التي اجريت من قبل العلماء ان ربع الاشخاص الخجولين وهم في سن الرشد لم يكونوا خجولين في سني الحداثة. ومن ناحية أخرى، فإن نسبة لا بأس بها من الاشخاص الذين كانوا خجولين في حداثتهم يتوقفون عن الخجل في مرحلة ما من حياتهم اللاحقة. بمعنى ان الخجل حالة مكتسبة يمكن السيطرة عليها، فاذا لم نفعل ذلك سيطرت هي علينا، ومنعتنا من الاقدام في تكوين الصداقات، او التحدث امام الناس.
ومن هنا كان الخجل خصلة سلبية، فالخجل يجعل الالتقاء باناس جدد لتكوين صداقات أمراً عسيراً. وهو يمنع فرداً عن الافصاح عما يريد والتعبير عما يدور في خلده وما يتمسك به من قيم. والانسان الخجول لا يظهر ذاته بافضل وجه ممكن، لأن الخجل يميل الى تكريس الانطوائية وحب الذات على حساب الاهتمام بالآخرين والاتصال بهم.
والسبب وراء الخجل يكمن في قلق فائق سيشعر به الخجول يتعلق بناحية السلامة والاطمئنان والانسجام مع ما هو معروف ومألوف لدى المرء، بدلا من المجازفة في تجربة امر غير مؤكد. والناس الخجولون يضيعون الكثير من جراء عدم التجربة في الحياة ومن خلال سماحهم لأناس آخرين وأوضاع آخرى بالتحكم بما يبدونه من ردود فعل.
فالطلاب الخجولون لايقوون على توجيه سؤال الى رقيب مكتبة المراجع او الاستفسار منه عن أمر. وبدلا من ذلك يقضون ساعات هائمين في أرجاء المكتبة من دون ان يحصلوا على مايبتغون. وفي حال كونهم فقراء، فان الخجولين لا يلجأون حتى الى الافادة من المعونات الطبية والاجتماعية والضمانات المتوافرة. وقد يبلغ الخجل ببعضهم حدا يمنعهم حتى من الحصول على مشورة اختصاصي، عندما يكونون في أمس الحاجة إليها.
الخجل وليس الوقاحة
لابد ان نعرف ونحن ندين حالة الخجل ونحاول تحطيمه اذا تحول الى جدار عالٍ في نفس الانسان، بان هذا الخجل ليس كله سيئاً، فهو قد يكون في كثير من الاحيان بمنزلة اللجام للنفس النازعة نحو التسلّط والاستحواذ والتطاول على الآخرين. فليس المطلوب من الناجح ان يحقق اهدافه من خلال الوقاحة والتجرؤ والتطاول على حقوق الاخرين، إنما العكس تماماً، أن يجعل الشجاعة والاقدام جسراً للتواصل والتعاون والتكافل، من هنا نجد التأكيد على خصلة الحياء في السلوك الاجتماعي يقول الحديث الشريف: (إن خصال المكارم بعضها مقيد ببعض يقسمها الله تعالى حيث يشاء؛ صدق الحديث، وصدق البأس، واعطاء السائل، والمكافآت بالصنائع وأداء الامانة، وصلة الرحم، والتودد الى الجار، والصاحب، وقرى الضيف، ورأسهنّ الحياء). وجاء ايضاً : (ان الله تعالى يحب الحيي المتعفف، ويبغض البذيء السائل الملحف) ذلك أن (الحياء يصد عن الفعل القبيح) فـ (على قدر الحياء تكون العفة)، (وحسب المرء من حيائه: أن لا يلقي احدا بما يكره).
وعلى كل حال فان (الحياء يتشعب منه اللين، والرأفة، والمراقبة لله والسماحة، والظفر، وحسن الثناء على المرء في الناس). ومثل هذا الحياء هو مصدر الخير.. أما (من لم يستح من العيب، ويرعو من الشيب، ويخش الله بظهر الغيب فلا خير فيه). وجاء في الحديث المأثور: (إذا لم تستح فاصنع ماشئت).
بين الحياء والخجل
وقد تسأل: هل نفهم من ذلك ان الحياء إذاً؛ مطلوب على كل حال؟
الجواب: أن الحياء على وجهين: حياء عقل، وحياء حمق فـ (منه ضعف، ومنه قوة)، فحياء العقل مطلوب، أما حياء الحمق فلا. فالحياء الذي يدفعلك الى احترام حضور الله تعالى في كل مكان وزمان، والى احترام الناس، والى احترام الذات مطلوب بلا اشكال. أما الحياء الذي يمنعك من الاقدام، والمطالبة بحقك، واحراز النجاح فهو مرفوض.
يقول الامام علي عليه السلام: (من استحى من قول الحق فهو الاحمق) ولهذا قيل لا حياء في العلم.. ولا حياء في تعلم الدين. كما لا حياء في كسب الاصدقاء، وانجاز الاعمال، والسفر، وتحقيق العدل، والعمل الصالح.
هذا النوع من الحياء مرفوض، لانه يمنع النجاح في الحياة، ويبعد عن تحقيق الآمال.. لأن اصحاب هذا الخجل يشعرون بقلق متواصل لا داعي له، وينظرون الى الناس بوصفها سلبية، وتغدو حياتهم كلها كمسرحية يتخيلون فيها أن دور الآخرين هو تقويم أوضاعهم باستمرار ولذلك فهم لا يشعرون بأية راحة أو اطمئنان معهم.. ما يؤدي بهم الى شل مواهبهم وفعالياتهم، وتجعلهم في سلوكهم الاجتماعي ضئيلي الانتاج، ضعيفي الاثر...
من هنا فان التغلب على الخجل غاية في الاهمية بالنسبة الى الفرد الخجول والمجتمع على السواء. فان لم يتمكن الناس من الاتصال بعضهم ببعض على نحو سليم فسيكونون خاسرين، في تجارتهم وأعمالهم وحبهم وحياتهم.
لنتغلب على الخجل
قبل التعرف على كيفية التغلّب على الخجل لا بد من أن نعرف ان هنالك نوعين من الخجل: نوع يكون قد تأصل فيه ذلك. وآخر لم يصل الامر الى ذلك الحد بعد.
فبالنسبة الى النوع الاول، يستحسن الاستفادة من عون شخص ما في هذا المجال، على الرغم من امكانية المعالجة الذاتية. وأما بالنسبة الى النوع الثاني، فهناك الكثير من الخطوات التي تعالج الخجل، وتدفع الخجولين الى التغلب عليه، وإليك بعضها:
أولاً: حاول ان تعرف اسباب خجلك...
ضع أمام نفسك هذا السؤال: (لماذا انت خجول)...؟ فكل امرئ يشكل حالة خاصة من حالات الخوف، أو الخجل، أو الضعف، أو الحماسة، فليس في الحياة النفسية قواعد عامة للأفراد، بمعنى ان كل فرد ذو هوية مستقلة بطباعه وعاداته واخلاقه وميزاته، بحيث ترى الصفة الواحدة تختلف باختلاف الاشخاص، فالخجل عند هذا غيره عند ذاك وهكذا، تتعدد الاحوال وتتنوع، بتعدد الناس وتنوعهم، ثم بتعدد الظروف وهذه العوامل تنحصر في اثنين او ثلاثة اساسية. فهنالك العوامل الجسمية، كالهزال الطارئ، او العيوب الظاهرة، أو أية عاهة بارزة تشوه الجمال الانساني. وهنالك العوامل النفسية، مثل سرعة الانفعال، او الكراهية الزائدة، او الشعور بعقدة النقص، أو ماشابه ذلك. وهنالك العوامل الفكرية، كالتخيلات المتواصلة.
فحاول ان تعرف السبب وراء خجلك. واعلم انه مهما كانت الاسبالب، فان باستطاعتك ان تتغلب عليها، وتصبح جريئاً، حازماً، ومنيعاً. فهناك كثيرون من امثالك، كانوا يعانون في يوم ما من الخجل ثم استطاعوا التغلب عليه وبلغوا ذروة المحبة وكانوا من قبل يتوارون عن الناس خجلاً، فهذا غاندي، محرر الهند، كان خجولا جدا في بداية شبابه، ولكن وصلت به القوة الى مقاومة الامبراطورية البريطانية، ويصبح رمزاً وبطلاً للملايين على مدى الاجيال.
ثانياً: أعلن جهرا تصميمك على التخلص من الخجل.
إن الاعلان عن الالتزام بشيء، له قوة كبيرة على النفس تدفعه الى تحقيقه. ومجرد الاعلان هو البداية في المواجهة مع الخجل، بل هي الخطوة الاولى في الانتصار عليه.
ثالثاً: عزز ثقتك بنفسك.
وابدأ من أمور بسيطة مثل المباشرة بالسلام على ثلاثة غرباء تلاقيهم في الطرق. فعليك ان تتعلم كيف تسيطر على مخاوفك، وتتصور عواقب حميدة بدلا من حالات مرعبة.
ومن الممكن تقوية الاعتزاز بالذات من خلال صيغة او معادلة بسيطة هي: امتنع عن قول امور سلبية عن نفسك وفكر، بدلا من ذلك في تقويم ما تظن انه خطأ لكي تخطو الى الأمام بثقة وثبات.
كما يمكنك التركيز على الاتصال مع من تتحدث اليهم عن طريق النظر وتستطيع كذلك تقمص شخيصة المستمع المنتبه مع ابتسامه رقيقة وايماءة بالموافقة، والظهور بمظهر المهتم بالحديث.
رابعاً: كُن سيد نفسك، وحاول ان تتحرر من الآخرين.
ان كثيراً من الخجولين يتوجسون خيفة الاهانة من الآخرين، وربما يشعرون ان هنالك من يحاول استغلالهم او تجاهلهم، ثم يجدون انفسهم عاجزين عن الرد واتخاذ الموقف المناسب، وأهم خطوة لتجاوز هذه العقبة والمشكلة هو ان يدركوا بدايةً انهم يلاقون معاملة بالطريقة التي علموا الناس ان يعامولهم بها. يقول الحديث الشريف: (المرء حيث وضع نفسه)، فمن يعلم الناس ان يسخروا منه، ليس من حقه ان يطالبهم بالاحترام، ومن يتخذ لنفسه شخصية محددة ومتزنة ليس من المعقول ان يبادر أي شخص في المجتمع بعكس هذه الصفة.