قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

الأمل بظهور المنقذ يزيدنا صموداً أمام التحديات
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة *ايمن عبد الصاحب
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (لو لم يبق الى قيام الساعة إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج القائم منّا ليملأ الارض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلما وجورا).
لكي لا يلين عزم الإنسان ولا تتوقف حركته التكاملية في هذه الحياة بفعل اليأس والتشاؤم وبسبب تلك المنعطفات الخطيرة، ومن أجل أن يمضي إلى الأمام باستمرار، لابد أن يحدوه الأمل، وتغمر نفسه الثقة بحلول المستقبل الزاهر المشرق الذي تنعدم فيه تلك الويلات والمآسي، وترفرف راية العدل على ربوع العالم، وينتهي عهد الظلم والاعتداء ونهب الثروات، والاعتداء على الحقوق والكرامة الإنسانية. وإلا فان الإنسان الذي يتغلّب عليه اليأس ويستولي على كيانه، يصبح عاجزاً تماماً عن إنجاز أي عمل، وعن تحقيق أي هدف سامٍ، بل إنه لا يستطيع أن يقدّم شيئاً، ويتقدم به على طريق ذلك الهدف، فاليأس هو قرين الانتحار، والإنسان اليائس هو الذي أمات نفسه بيديه قبل أن يموت على يد الآخرين، أو يموت موتته الطبيعية.
سنّة لابّد منها
وهكذا فإن الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله يريد من خلال بياناته الشريفة في هذا الحديث أن يؤكد لنا أن سنة ظهور الإمام، وتحقق العدالة الإلهية، وامتلاء الأرض بالقسط والعدل. كلّ ذلك إنما يمثل سنة ثابتة لا يمكن أن تتغير، ولابد لها من أن تتحقق وتقع، وإن تطلّب ذلك واستوجب حدوث تغيير في طبيعة الكون؛ كأن يطول اليوم الأخير من الحياة الدنيا، ويمتد إلى اكثر مما هو مألوف، وهو الأربع والعشرون ساعة.
فالرسول صلى الله عليه وآله يريد التأكيد هنا بقوة وشدّة على هذه الحقيقة الكبرى، وعلى تحقق ذلك الأمل المنشود من قبل جميع الرسالات الإلهية، ومن قبل جميع الأمم والشعوب، فالله سبحانه وتعالى لابد من أن يظهر مهدي هذه الأمة، وإن استلزم هذا الظهور تغيير السنن الطبيعية في الكون، نظراً إلى أهمية هذا الظهور وإلى كونه يمثل السنة الكبرى التي تفوق أهميتها سائر السنن في الكون.
وبالطبع؛ فإن الحديث الشريف لا يعني أنه سيبقى يوم واحد من عمر هذه الدنيا، ثم يطوّل الله تعالى هذا اليوم، بل إنه بصدد بيان الأهمية الفائقة التي يتمتع بها هذا الحدث العظيم، وكونه من الحتميات التي لابد من حدوثها، لأنه يمثل حقيقة ثابتة خلقت من أجلها البشرية، حيث أن هذه البشرية المنهكة المعذبة التي عانت الأمرّين من نزوات حكّامها وطغاتها، وقاست الويلات والمآسي والمحن بفعل شهوات طغاتها، تنتظر على أحرّ من الجمر. هذا اليوم الموعود الذي ستذوق في ظله الطعم الحقيقي للسعادة، حيث سيظهر الإمام المهدي عجل الله فرجه، ومن بعده عيسى بن مريم عليه السلام الذي سيبادر إلى الائتمام بالإمام المنتظر، والصلاة خلفه، ليدفع أهل الأديان وأصحاب الشرائع السماوية الأخرى إلى الإيمان بالإمام واتباعه، والدخول في الدين الإسلامي الذي سيجمع الديانات جميعاً، ويوحد تحت رايته التوحيدية جميع القوميات والطوائف البشرية بجميع ميولها وانتماءاتها الدينية والقومية، ليحكم الكرة الأرضية دين واحد، هو الدين الذي جاء به نبينا الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وأحياه ولده الإمام المهدي عجل الله فرجه.
وإننا لنلمس اليوم من خلال الحركة الراهنة للبشرية أنها كلما خطت خطوة الى الأمام، كلما اقتربت من حالة الاندماج، والاتحاد والتلاحم بين مختلف فئاتها وقومياتها وأقاليمها، وهذا دليل على أن ما أكده الرسول صلى الله عليه وآله في أحاديثه الشريفة بخصوص الفرج إنما هو الحق الصريح الصادق والوعد الذي لابد أن يتحقق. فمسيرة البشرية متجهة لا محالة باتجاه ذلك اليوم الموعود بإذن الله تعالى.
الانتظار و واقعنا الراهن
ما هي علاقة الانتظار وفكرته والايمان به، وإيماننا بالإمام الحجة المنتظر، بواقعنا المتدهور الذي نعيشه في عالمنا الإسلامي؟ وهل باستطاعتنا الاستفادة من هذه الفكرة والعقيدة والبصيرة الإلهية لكي نغيّر بها واقعنا السيء الى واقع افضل، وكيف السبيل إلى هذا التغيير؟
قبل الإجابة على هذا التساؤل المهم والحساس لابد ان نضرب مثلاً من واقع رجل لم يكن يمتلك بيتاً، فسعى وجهد من اجل ان يكون له ذلك، وجهد في توظيف كل إمكانياته وطاقاته المادية والمعنوية من اجل اقتناء البيت كأن يشتريه جاهزاً أو يبنيه؛ وهكذا الحال بالنسبة إلى الذي يريد أن يكون حياة زوجية فإننا سنجده يحاول ان يختصر الزمن والمسافة في سبيل توظيف كل ما يملك من رصيد اجتماعي واقتصادي في سبيل تحقيق طموحه في إقامة حياته الزوجية التي يطمح إليها. وإذا كان الأمر يتطلّب كل هذا البذل والمجهود والسعي من اجل بناء بيت أو حياة زوجية، فما بالك بمن يريد تحرير بلده أو إنقاذ أمته او خلاص شعبه، أليست القضية اخطر واهم من ذلك؟
ولذلك فان على مثل هذا الإنسان او الجماعة او الأمة إن أرادوا تحقيق أهداف كهذه الأهداف العظيمة، أن يختصروا هم أيضاً كل مسافة بعيدة تحول بينهم وبين مرامهم، وان يبذلوا كل ما يملكون، ويجهدوا أنفسهم ما استطاعوا لكي يبلغوا تلك الأهداف المتمثلة في بناء وطن شامخ يليق بمكانتهم ومنزلتهم.
ونحن اليوم في هذا الزمن الصعب الذي نعيش فيه صراعاً مريراً، ومعركة الموت والحياة مع الأنظمة الطاغوتية، فإن قضيتنا عظيمة ومهمة للغاية، وأن أولئك الذين يستهينون بها إنما يحتقرون أنفسهم من حيث لا يشعرون ويستهينون بكرامتهم وتاريخهم وقيمهم.
أن تاريخ الشيعة هو تاريخ العطاء والتضحيات الجسام، وتاريخ الآلام والمعاناة والمطاردة، والسجون، انه تاريخ الإمام الحسين والإمام موسى ابن جعفر عليهم السلام؛ ومع ذلك كلّه لم نتحطم، ولم نستسلم لليأس، بل ازددنا رغم قوة الدمار تألقاً وصلابة وقوة وإظهاراً لحقّنا وحقوقنا المهدورة المغصوبة.. وكل ذلك يعود الفضل فيه إلى ذلك الأمل العظيم الذي كان الطاقة التي حركت عجلة مسيرتنا في التاريخ؛ أنه انتظار الفرج، الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وآله: (افضل أعمال أمتي انتظار الفرج).
ونحن كلما عمّقنا هذه الفلسفة الإيمانية الحقة في الأجيال المتلاحقة من أبنائنا وأحفادنا، استطعنا أن نصل إلى الأهداف المرجوة، والغايات المنشودة. والذي يذهب منّا إلى الشك في هذه العقيدة الراسخة بسبب وطأة البلاء، والمصائب الشديدة القاسية التي تبعث على اليأس، فان مثله كمثل الذي يجلس على غصن شجرة ثم ينشر جذعها بمنشار، فهو سرعان ما يهوي إلى الأرض.