منطق قالب الثلج والاسلاك المتدلّية
|
*محمد علي جواد تقي
يوماً بعد آخر تتكثف الضبابية في رؤية الناس للمسؤولية الحقيقية التي يتحملها (المسؤول) إزاء ملف الخدمات وفي مقدمتها الماء و الكهرباء وتصطف في المرتبة الثالثة الطرق والمواصلات. ولم يخطئ عدد من المواطنين الذين تنبهوا الى خطة الحكومة بتزويد المولدات الاهلية بالوقود المجاني لتزويد المنازل بالكهرباء فترة أطول، مقابل راحة البال من المطالبة بالكهرباء الحكومية (الوطني)، بل ان الحكومة أوهمت نفسها انها خارج عنق الزجاجة ولن يشكو المواطن من ظلمة الليل ولا حرارة النهار، وجاءت المحاسبة موافقة تقريباً، فالقرار الحكومي الصارم يفرض على اصحاب المولدات الاهلية تشغيل (12) ساعة في اليوم مع تزويد مجاني بالوقود، ومع اضافة اربع ساعات تكون النتيجة (16) ساعة تجهيز، بدلاً من الحالة السابقة وهي سبع ساعات تشغيل للمولدات الاهلية مع ثماني ساعات للتشغيل الحكومي فيكون المجموع (15) تجهيز للكهرباء. ويبدو ان المسؤولين فكروا ايضاً بالماء البارد الذي يعجز تيار الكهرباء المحلي الصنع توفيره للناس، فجاءت (الخطوة التكميلية) بفرض تسعيرة هذه المرة على معامل صنع الثلج ليكون (1500) دينار مع تزويد اصحاب المعامل بتيار الكهرباء لفترات أطول من خلال خط الطوارئ، وكانت البداية من محافظة كربلاء المقدسة وربما نسمع البشارات الاخرى من سائر المحافظات. وجاء في الخبر ان مجلس المحافظة حذر وأنذر من تجاوز التسعيرة وإثارة نقمة الناس.
بعيداً عن تقييم هذه الخطوات وغيرها فهي من حق جمهور المواطنين، لكن لنا أن نسأل: هل بات اصحاب المولدات الاهلية او معامل انتاج الثلج وكل من تتعلق مهنته باحتياجات الناس الضرورية، موظفين لدى الدولة ؟ وماذا لو حصل عطل في مفاجئ في المولدة الاهلية على حين غفلة من صاحبها ولم تسترد عافيتها إلا بعد مرور أيام؟ فمن يتحمل المسؤولية؟ وكذلك الحال بالنسبة لمعمل الثلج او غيره من المصالح التجارية. وبالمصحلة فان راحة واستقرار الاطفال والنساء في بيوتهم ظهراً وليلاً بات معلقاً على المولدة الأهلية والشخص الموظف لتشغيلها ومراقبة عملها. هذا السلوك الحكومي الجديد يستحضر مقارنة في ذاكرتي مع ظاهرة اجتماعية سيئة طالما ينتقدها أهل الاختصاص، وهي تخلّص الأب من مشاكسة الابن ومطالباته باعطائه بضعة نقود او يناوله مفتاح السيارة ليدفعه خارج البيت مقابل توفير الهدوء - بظنه – لافراد الاسرة الآخرين.
فالحكومة التي انتخبها الناس تعرف كيف ترسم ارقام المبالغ بملايين الدولارات على الورق وبسرعة البرق وفي المكاتب الفارهة وضمن الاجواء الفاكهة، لكنها ربما تجهل الطريق الى مجلس النواب (المنتخب) ودعوته سنّ قانون يعيد للدولة هيبتها امام المجتمع بمعاقبة المتجاوزين على شبكة الكهرباء والماء ايضاً، وهي الظاهرة التي تعد جزءاً من الازمة. فقد كشف المتحدث باسم وزارة الكهرباء مصعب المدرس عن هذا العجز الغريب، فيما رأيت شخصياً هذا العجز ماثلاً أمامي في مسألة الماء عندما أجابني مسؤول في دائرة الماء في مدينتي وبكل هدوء ورضى نفسي عن سبب شحة الماء بان "الامر بكل بساطة... انها مشكلة التجاوزات على خطوط انابيب المياه"، والمثير انه اردف بالقول: "ما هي إلا أشهر معدودة وينقضي فصل الصيف ليقل الاستهلاك وتعود المياه الى مجاريها...."!!
إن شهر رمضان المبارك على الابواب، (ولن نقول إلا ما يرضي الرب...)، فهذا الشهر الفضيل وفي هذه البرهة الزمنية العصيبة، يعود بعد ثلاثين عاماً ليلتقي بشهر آب (اللهاب) كما يصفه العراقيون. واعتقد انها فرصة العمر لكل من "له قلبٌ أو ألقى السمع وهو شهيد" (سورة ق /37)، ونحن كلنا مدعوون لمراجعة انفسنا واعادة النظر في سلوكنا وتفكيرنا ومنهجنا وفي الدرجة الاولى المسؤول ذو الصلاحية واليد الطولى في تقرير مصير الملايين، وإلا فان (منطق قالب الثلج) او (منطق الاسلاك المتدلية)، سيخلق منطقاً آخر لدى الناس لن يكون محموداً على المدى البعيد.
السؤال أمام مسؤولينا المنتخبين: هل ان منطق قالب الثلج او الاسلاك المتدلية والمتقطعة هنا وهناك، يليق بمسؤولين منتخبين في بلد عريق بالحضارات والثقافات؟
Mahdali12googlemail.com
|
|