تحت الضوء
(ويكيليكس) و اختبار استقلال العراق
|
*محمد علي جواد تقي
بعد حوالي سبع سنوات ما نزال نندب حظنا العاثر وما آلت بنا الاوضاع لعدم قدرتنا على الأخذ بزمام الامور بايدينا بالشكل الصحيح، رغم وجود القدرات المادية والكفاءات العلمية وقدر لا بأس به من التجارب والخبرات على حجم العراق، لكن ما نزال نفتقر للارادة والاخلاص، وهذه المرة فنحن عاجزون عن التعامل مع وسائل الاعلام المتطورة وما تحمله بالدرجة الاولى من اثارات سياسية واجتماعية، والتي تُعد في العالم من الناحية العلمية من أساس مهنة الاعلام، فالاثارة من اجل الاثارة، بغض النظر عن محتوى ودوافع ونتائج هذه الاثارة. وعندما نتحدث عن السبع سنوات الماضية، فاننا بالحقيقة نكرر تأكيدات مسؤولي الدولة بان العراق اليوم صاحب مؤسسات رسمية يُعتد بها، وأنظمة عمل وسياقات حكومية تنظم مختلف شؤون الحياة بالقدر الممكن طبعاً، إذن ما هذا الارباك والتوتر الذي اصاب بعض السياسيون من محتويات موقع الكتروني لشخص مجهول وهو استرالي الجنسية يسكن في السويد، لأنه نشر – حسب زعمه- وثائق سرية عن اعمال قتل وتشريد على الهوية وتعذيب نفذتها جهات حكومية عراقية، وايضاً ارتباط بعض السياسيون بدول اقليمية وغير ذلك من الكلام المكرر، الذي يتحدث به الناس منذ الاطاحة بنظام صدام وحتى اليوم؟ والعجيب والمؤسف في آن واحد حقاً أن يتصور البعض انه قادر ان يختزل المعلومات والاسرار في جيب سترته ويحجبها عن الناس والعالم للحفاظ على حياته السياسية، في وقت هم أقرب ما يكونون على قدر لا بأس به من الاسرار والخفايا، فالمنتسبون والموظفون موجودون في مراكز الشرطة وقواعد الجيش ومؤسسات الحكومة والمحاكم بل وهناك من عايش الامريكيين معتقلاً او مترجماً او أي صفة أخرى، حتى ملّ الناس من سماع فضيحة ما او سقطة من مسؤول لأنها باتت (قوانة مشخوطة) حسب التعبير الدارج. لكن مع ذلك بدأ التراشق الاعلامي بين من يعد (الوثائق السرية) نقطة سوداء كبيرة في سجل رئيس الوزراء المنتهية صلاحيته نوري المالكي والذي يبذل مساعيه لتشكيل الحكومة على أنه يحمل سجلا أبيض. وبين من يرى فيها مؤامرة لتشويه سمعته.
من المهم جداً – باعتقادي- ان نضع حداً فاصلاً ليس فقط بين هذه الوثائق وبين من تستهدفه ويتضرر بسببها، إنما بين صحة بعض هذه الوثائق وبين الدوافع التي من اجلها تنشر هذه الوثائق (الصحيحة)، فاذا تمكنّا من بلوغ هذه النقطة تمكنا من التعامل الصحيح مع هذه الفتنة المخابراتية. فلابد للحكومة وجميع مؤسسات الدولة وضع حدٍ لهذا الاستسهال الامريكي في زعزعة الاستقرار السياسي حسب الحاجة، وهل ننسى نشرهم معلومات عن معتقل الجادرية في بغداد، مستهدفين بذلك في حينه وزارة الداخلية؟ أو دخولهم المفاجئ الى ذلك المركز الصحي الخاص بالاطفال المعاقين وتصويرهم بتلك الاوضاع المزرية والمخزية؟ او نشرهم فيلماً مصوراً بواسطة كاميرا الهاتف النقال لحوار خاص دار بين عبد الستار أبو ريشة أحد ابرز زعماء العشائر في الانبار وبين الرئيس الامريكي الاسبق جورج بوش الذي حلّ ضيفاً عنده، وكيف انه شكا له تدخلات ايران، وقد نشرت قناة (العربية) هذا التسجيل بعد أيام قلائل من اغتيال أبو ريشة بعملية انتحارية؟
ان الامريكيين يتحدثون دائماً بلغة الارقام والوثائق التي لهم مصلحة بنشرها طبعاً، لأنهم أينما ذهبوا وحلّوا سجلوا اللقطات والمشاهد بكاميرات الهواتف النقالة دون ان يثيروا انتباه أحد. لكننا نسأل: إذن، اين مؤسساتنا الحكومية وأجهزتنا الامنية والمشاعر الوطنية؟ ان من أهم ما تمخضت عنه تلكم الوثائق هي ان مؤسسات الدولة غير قادرة على حماية الناس والدفاع عن كرامتهم وحقوقهم. فبعد أيام من نشر هذه الوثائق بدأ الموقع الخاص للقوات الامريكية على (الانترنت) بنشر اخبار متتالية عن انجازات (فريق الاعمار) في المشاركة بانشاء 400 مركز لمحو الأمية في بغداد وحدها، وتقديم الاستشارات لتعليم العراقيين على تشغيل نظام (worldvista) الخاص بمشروع (الحكومة الالكترونية) في العراق. والاهم من كل هذا ما يتحدثون عنه بكل اعتداد وقوة عن (الحلم الذي اصبح حقيقة) بانشاء مستشفى الاطفال في مدينة البصرة... على الحكومة المنتهية صلاحيتها وحتى الحكومة القادمة بل وجميع مسؤولي الدولة أن لا يخشوا من الاخطاء والاسقاطات مهما كانت، لأن علاجها القانون والجزاء، لكن الذي يجب أن يخشوه هو ضياع ثقة الناس بهم إذ من العسير جداً تعويضه.
Mahdali12@googlemail.com
|
|