عوامل القوة لخدمة القيادة في المجتمع الاسلامي
|
*أنور عزّ الدين
المجتمع كجسد الإنسان بحاجة إلى القيادة، ولكن أي عضو في جسد الإنسان ينبغي أن يقود سائر الاعضاء؟ هل الرجل أم اليد أم العين؟
بالطبع العين هي التي تقود الجسم، وليس للرِّجْل القوية التي يقوم عليها الجسم أن تدّعي قيادته، لان القيادة ليست للأقوى.
والعين كذلك لوحدها لا يمكنها أن تقود الجسم بالصورة الصحيحة من دون وجود العقل، فالعين قد تخطىء في إعطاء الجسم التفسير الصحيح لما تراه أمامها، فقد تقول له أن أمامك مستنقع ضحل يمكنك أن تعبره بسهولة، وإذا هو في الحقيقة لجّة عميقة، وهنا يتدخل العقل ليعطي القرار الصحيح في الوقت المناسب.
وهكذا المجتمع الفاضل لا تقوده القوة الكامنة فيه ولا يقوده إقتصاده ولا يعطي الحق لجماعة أو فئة تقول باننا نحن الأقوى، فنحن نملك الدبابات، ونملك آلاف المسلّحين. انما يقول لمراكز القوى في الساحة: إن قوتكم لا تنفع شيئا مالم يوجهها البصر والبصيرة. فلو اشتبك فيل أعمى مع قط بصير في عراك فان الذي سيغلب هو القط بالرغم من ضخامة الفيل.
فالقوة بغير البصيرة طاقة عمياء، والعمى يؤدي إلى الهلاك، فلابد من العلم لتوجيه القوة، ولكن العلم وحده لا يكفي أيضاً، فالمجتمع الفاضل لا يعطي كامل قيادته للعلم، لأن العلم أشبه شيء بالعين التي قد تضل وتزيغ، فلو أراد انسان أن يقود نفسه بعلمه ومعارفه فقط، فسرعان ما سيجد نفسه أمام منعطفات خطيرة، لان الحياة معقّدة والاسئلة الحائرة فيها أكثر ملايين المرّات من الاسئلة التي أجاب عنها العلم اليوم.
من هنا فان الاسلام أطّر العلم بالتقوى، لأن التقوى هي إتباع برامج السماء ومناهج الله، وبذلك يرتبط مسير الإنسان وشؤونه بالخالق الذي هو أعرف وأعلم بالحياة وما يصلحها، وهو الذي خلق الإنسان وقدَّر معايشه ودبّر اموره.
*الحق للقوة أم القوة للحق ؟
إذن، جوهر القيادة في المجتمع الإسلامي هي قيادة العلم المؤطر بالتقوى، ولكن دعنا نقارن بين هذا الجوهر الذي يؤكده الإسلام، ويطرح مئات القوانين والوصايا من أجل المحافظة عليه، وبين المفاهيم السائدة في المجتمعات غير الايمانية، فنجد في مجتمعات كهذه أن الحق للقوة، وليست القوة للحق، وأن العلم تابع وليس متبوعاً، وأن العلماء على أبواب الملوك، وليس الملوك على ابواب العلماء، ومن ثم نجد أن القوى المسلحة، وكارتلات النفط، والشركات الكبرى، و... هي التي تقود العالم وهي التي تخطط لكل شيء حتى للثقافة وللتعليم وللصحة وغيرها من نواحي الحياة.
فمثلاً، نجد في كثير من الدول الكبرى أن وزارات الدفاع أو أجهزة المخابرات تتدخل في مراكز التوجيه في الجامعات ومراكز التعليم والثقافة، كما تمد خيوطها عبر شبكة واسعة من العملاء والجواسيس في مراكز العلم والتوجية في العالم كله، حيث تتوجه إلى كل فكر وقّاد، وكل انسان ذكي متفوق، فتحيطه بمجموعة من عناصرها، وتنشر حوله خيوطها حتى توقعه في شركها، ثم تلقيه في المسير المتناغم مع أهدافها ومصالحها.
لقد أصبح العلم في عالم اليوم تابعاً للمال وتابعا للقوة. فإذا الّفت كتابا تقول فيه الحق لله وفي الله، وكان هذا الكتاب من أفضل وأروع ما كتب من النواحي العلمية والأدبية والابداعية، ثم ذهبت به إلى دور النشر التي تقودها مراكز القوى المالية أو السياسية فإنها ترفض طبعه، وإذا طبعتَه على نفقتك الخاصة فلن تجد من يقبل القيام بنشره وتوزيعه.
*اقتلاع جذور المشكلة
ومن هنا نعرف مدى مأساة الإنسان في (الجاهلية الحديثة)، حيث ان جوهر الإنسانية وهو العلم والمعرفة اصبح تابعا لشهوات ومصالح المستكبرين المتسلطين، أما الإسلام فإنه يرفض هذه التبعية، ويؤكد على فصل القوة والمال عن التوجيه والقيادة.
والسؤال: كيف يستطيع الإسلام تكريس هذه الحقيقة؟
إن النُظُم الاجتماعية لها جذور نفسية، فإذا لم تكن متجذرة في النفوس ومتفاعلة مع عقائد المجتمع فإنها ستنهار. فحينما تجد البلاد في العصر الراهن تخضع للقوة، وتخضع لسلطة أصحاب المال، فالسبب هو رسوخ هذه الجاهلية في نفوس الناس. وإذا تمكن الناس من التخلص منها فإن أية قوة لن تستطيع إخضاعهم.
إن العالم يعرف بأن العلم يجب أن يقود الإنسان، ويعلم بأن المخ هو مركز القيادة في الجسم وليس اليد أو الرجل، ولكن لا يستطيع تطبيق هذه الحقيقة في مجال الحياة والمجتمع، لانه لا يقدر على ذلك ما دامت جذور الجاهلية مترسخة في النفوس. أما الإسلام فانه يقتلع هذه الجذور أولا، ليعطي الإنسان فرصة وحرية إختيار قيادته الصحيحة، فهو يقول للإنسان أنت المسؤول عن المحافظة على حريتك والحياة تبدأ منك لا من الآخرين: جاء في الحديث الشريف: (لا تكن عبد غيرك، وقد جعلك الله حراً)، أي ان الحرية ملك الانسان، لكن تبقى مسألة الإرادة والتصميم على التحدي.
من هنا نعرف إن الاسلام يمنح الانسان كامل الحرية ليسير في طريق العلم والمعرفة بما يجعله قادراً على ادارة الحياة بشكل متوازن لايضر بنفسه ولا بالآخرين، وفي نفس الوقت يطوي مراحل التقدم والتطور في طريق تحقيق السعادة والرفاهية.
|
|