قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

الحسود لا صديق له
*طاهر القزويني
قبل أكثر من ألف عام من تدوين علم النفس تحدث الإمام علي (عليه السلام) عن (الحسد) واصفاً بأنه من أشد الأمراض فتكاً بالإنسان، فقال (عليه السلام): (الحسد شر الأمراض)، وربما تحدث كثير من الحكماء والعلماء عبر التاريخ عن مساوئ الحسد، ولكن لا أحد منهم تحدث عن كون الحسد هو مرض سلوكي منحرف ناتج عن خلل في شخصية الانسان كما أكد ذلك الحديث الآنف الذكر.
ولاشك أن علامات تظهر على صاحب هذا المرض، وهي تكون علائم لهذا المرض لأنها لا تصدر عن إنسان طيب النفس نقي السريرة، ومن هذه العلائم هي أن الحاسد يفرح عند وقوع مكروه للآخرين، ويغتم ويحزن في فرحهم، وهذه بلاشك حالة إنسان غير سوي وأنه لايحمل مشاعر طيبة وإيجابية تجاه الآخرين.
ويصل المرض بهذا الحاسد إلى درجة أنه يرى زوال النعمة عمّن يحسده هو نعمة عليه، وهذا أسوأ شيء يمكن أن يصاب به الإنسان، إذ إنه يتمنى الشر للآخرين ويعد المصائب التي تنزل على الآخرين نعمة عليه فيفرح بها!
ومن علائم مرض هذا الإنسان، أنه يظهر الود ويخفي البغض، فهو يبدي في أقواله ما لايظهره في أفعاله، فيظنه الناس أنه صديقهم، لكنه في حقيقة الأمر عدو لهم، لأنه يضمر لهم السوء ويتمنى لهم الشر، وقد جاء في حديث للإمام علي (عليه السلام): (ما رأيت ظالماً أشبه بمظلوم من الحاسد) فهو في الظاهر إنسان مظلوم لكنه في الباطن ظالماً.
ومن علائم الحاسد إنه لاينصح، لأن من ينصح يريد الخير لصاحبه وهذا الحاسد لايريد الخير حتى لصاحبه فهو لاينصحه ويتركه لتقلبات الأيام وقساوة عيشها، بل ويبتعد عنه عندما يكون بحاجة إلى العون والمساعدة، وقد جاء في أحاديث الإمام الصادق (عليه السلام): (النصيحة من الحاسد محال).
ومن علامات الحاسد أيضاً انه يكون ساخطاً لأنعم الله، فهو يرى كل نعمة لدى الناس أنه كان يستحقها وأن الله عزوجل حرمه من هذه النعمة! وأن الله حاشى لكرمه وعدالته، لم يقسم تلك النعم بعدالة بين عباده، وأنه عزوجل أعطى نعمة لمن لايستحق وحرمها عمن يستحق، وذات مرة خاطب رسول الله (صلى الله عليه وآله) المسلمين وقال لهم: (ألا! لاتعادوا نعم الله) قيل: يا رسول الله، ومن الذي يعادي نعم الله؟ قال: (الذين يحسدون). (بحارالانوار، ج1، ص315).
إذن، تبين ان مشكلة الحاسد ليست نفسية فقط، بل هي مشكلة عقائدية، فهو شاك بعدالة الله تعالى و يظن السوء بالله والعياذ بالله، وقد تصل هذه الظنون والشكوك إلى درجة الكفر بالله، فيكون الرجل بالظاهر مسلماً وفي واقعه كافراً، ذلك أن الحسد يوصل الإنسان إلى هذه الدرجة التي توقعه في قعر جهنم، وهناك حديثان للإمام الصادق (عليه السلام) يقول في أحدهما: (إياكم أن يحسد بعضكم بعضاً، فإن الكفر أصله الحسد)، وقال (عليه السلام) أيضاً: (يقول ابليس لجنوده: ألقوا بينهم الحسد والبغي فإنهما يعدلان الشرك) (بحارالانوار، ج75، ص27).
ومن علامات الحاسد أيضاً انه يغتاب إذا غاب ويتملق ويشمت بالمصيبة، ويظهر أن الحسد هو جامع لخصال سيئة كثيرة وينبغي تجنبه لأنه يقود إلى مساوئ الأخلاق وإلى مصير أسود يكون هو أول ضحاياه.
وقد ورد في الحديث عن الإمام علي (عليه السلام) أن (الحسد يُضني الجسد) وكثير من الأمراض الجسدية التي تصيب الإنسان هي نتيجة الحسد، ولاشك أن النفس المريضة هي ذات تأثير على الافرازات الهرمونية والكيمياوية داخل الجسم وهي بلاشك تكون إفرازاتها سامة وتسبب أنواعاً كثيرة من الأمراض البدنية وقد جاء في حديث للإمام علي (عليه السلام): (الحسود أبداً عليل) لكن الحسود غافل عما يفعله حسده ببدنه ولايدري انه بهذا الشعور يضر نفسه أكثر مما يضر شخصاً آخراً وقال علي أميرالمؤمنين (عليه السلام): (الحسد لايجلب إلا مضرّة وغيظاً يوهن قلبك ويمرض جسمك).
وكيف لايضر الحاسد نفسه وهو يغتم لسرور الآخرين؟ فإذا أصابتهم النعمة يحزن ويتألم لذلك، ويكفي الحاسد ضرراً بذلك، وكلما رأى نعمة على أحد زادت حسراته وتضاعفت سيئاته، ومع كل حسرة هناك ألم ومع كل ألم هناك مرض يصيبه.
والمصيبة الأكبر أن الحسد مرض صعب العلاج وفي ذلك قال الإمام علي (عليه السلام): (الحسود لايبرأ) وهذا يعني أنه لابد أن يتخذ المرء حذره من الوقوع في هذا المرض الخفي، ذلك أن علاجه لن يكون متيسراً فلابد من مواجهته قبل أن يستفحل ويسيطر على القلب.
وهنا لابد من التفريق بين حالتين: احداهما تكون مذمومة والأخرى مباحة، فأما الأولى: وهي التي يرى فيها الرجل لأخيه نعمة فيتمنى زوالها عنه، وتكون له دونه، والثانية: أن لاتحب زوالها، لكنك تشتهي لنفسك مثلها فهذه تسمى غبطة وهي لاغبار عليها.
ونصل هنا إلى نقطة في غاية الأهمية وهي: هل للحسد تأثير سيئ على المحسود؟ أو بمعنى آخر هل للحسد تأثيراً على القدر؟
يجيب رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن هذا السؤال ويقول (كاد الحسد أن يغلب القدر) وفي حديث آخر (... يسبق القدر) (بحارالانوار، ج73، ص246).
ولاشك أن للحسد تأثير على القدر ولكن في حالات خاصة قد يفقد الحسد تأثيره على المحسود كأن يتصدق المحسود، فلا يضره حسد الحاسدين، أو يقرأ دعاءً يحجبه عن شر الحاسد، وأما بخصوص الدليل القرآني حول ضرر الحاسد فقد ورد في القرآن الكريم (بسم الله الرحمن الرحيم* قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ* مِن شَرِّ مَا خَلَقَ* وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ* وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ*وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ) فنحن لانعرف كيف يوصل الحاسد شره إلى المحسود، لكننا نعرف بالضبط كما جاء في القرآن الكريم ان الإلتجاء إلى الله والاحتجاب والاستعاذة به وباسمه سيحرسان الإنسان من شر الحساد.
إذن... فإذا كان لك صديق حسود، فقد ذكره أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) في قوله (بئس الرفيق الحسود) فتجنب صداقته، لأنه سيحسدك على النعمة ويسر ببلواك.