المكّار.. يحفر بئراً لنفسه
|
طاهر القزويني
هناك أمثلة وحكم شعبية قد تصل في مضمونها إلى حد الحقيقة، ذلك أنها تكشف عن سنة إلهية في الكون، ومثل ذلك ما يقولون بشأن الكيد وايقاع الآخرين في المكيدة، أو ما يعرف في قولهم (من حفر بئراً لأخيه وقع فيه) فهي تكشف عن سنة أو قانون إلهي ساري في عالم الخلق وهو: أن الذين يمكرون المكر السيئ سيلقون الجزاء نفسه في عالم الدنيا. وهناك دلائل على هذا الكلام من القرآن الكريم: (ولايحيق المكر السيئ إلا بأهله) أو الآية الأخرى (فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ ).
والمكر هو صرف الآخرين عما يقصده بحيلة، وهناك نوعان: مكر محمود وهو أن يتحرى بذلك فعل جميل، وعلى ذلك قال الله عزوجل: (وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ). ومذموم وهو أن يتحرى به فعل قبيح، قال تعالى: (وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) وقال في الأمرين: (وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) وقال بعضهم: من مكر الله تعالى أمهال العبد وتمكينه من أعراض الدنيا، ولذلك قال أميرالمؤمنين عليه السلام: من وسّع عليه دنياه ولم يعلم أنه مكر به فهو مخدوع عن عقله. وقال: الخداع إنزال الآخرين عمّا هو بصدده بأمر يبديه على خلاف ما يخفيه.
وإذا أردنا أن نتعرف بشكل أكثر على المكر والمكارين فإننا نستطيع أن نطلع على التاريخ، فهذا التاريخ يقدم لنا نموذجين من الشخصية أحدهما أميرالمؤمنين علي عليه السلام والآخر معاوية بن أبي سفيان لعنه الله. تعالوا لنتعرف على موقفهما تجاه المكر، فأما بالنسبة إلى معاوية بن أبي سفيان فقد قتل الصحابي مالك الأشتر(رض) بالمكر والخديعة حيث إنه وضع له السم في الحليب، وقتله بهذه الخديعة التي لم يعرفها المسلمون قط، ذلك أنهم يعرفون تماماً بأن قتال العدو لايكون إلاّ في الحرب، وأن المكر والخديعة ليست من صفات المسلمين، أما بالنسبة إلى موقف الإمام علي عليه السلام تجاه المكر والخديعة فهو عليه السلام له رأي في ذلك ويقول (لولا أن المكر والخديعة في النار لكنت أمكر العرب) .
فالمكر ليس من خلق الإسلام كما ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله الذي قال: (ليس منا من ماكر مسلماً) وقال الإمام علي عليه السلام (إن الماكر شيطان في صورة إنسان). هذه الثقافة تبدو اليوم معكوسة حيث أصبح أهل الدهاء والمكر هم أهل العقل! بل ربما وأهل الإيمان!. أما الذين لايمكرون ولايخدعون، فهم يوصفون بأنهم ضعفاء!. وقد ورد في مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول للعلامة المجلسي رحمه الله (.. أن الناس كانوا ينسبون معاوية لعنه الله إلى الدهاء والعقل، وينسبونه(علي) عليه السلام إلى ضعف الرأي لما كانوا يرون من إصابة حيل معاوية المبنية على الكذب والعذر والمكر، فبين أنه أعرف بتلك الحيل منه ولكنها لما كانت مخالفة لأمر الله ونهيه فلذا لم يستعملها كما روى السيد رضي رضوان الله عليه، في نهج البلاغة عنه صلوات الله عليه انه قال: ولقد أصبحنا في زمان اتخذ أكثر أهل الغدر كيساً ونسبهم أهل الجهل فيه إلى حسن الحيلة، مالهم قاتلهم الله؟ قد يرى الحول القلب وجه الحيلة ودونه مانع من أمر الله ونهيه، فيدعها رأي العين بعد القدرة عليها، وينتهز فرصتها من لاحريجة له في الدين).
ومع انتشار المكر والخديعة .. ندعو الله أن يلعن أولئك المجرمين الأوائل الذين أدخلوا هذا الخلق الشيطاني إلى الفعل السياسي في البلدان الإسلامية، ولابد أن نعرف إن إنتشار هذا الفعل غير الحميد هو نتيجة لابتعاد المسلمين عن دينهم، وتحكم المعتقدات الباطلة في قلوبهم، ولكي نعود إلى الإسلام النقي الذي يتعامل الأفراد في ظله بكل صفاء ونقاء يجب أن نعمل على نشر الثقافة الإسلامية وسلوكيات الشخصية الإيمانية. ونحن نشهد للأسف ظهور شخصيات عجيبة لاتمت إلى الإسلام بأية صلة، فهي تمتهن الكذب والخداع والتلون بكل ألوان الطيف العراقي...
وليس هناك نفاق أكبر من أن يكون فيه الشخص معك في الظاهر ويطعنك في الخلف، وهناك أمثلة كثيرة على هذا النموذج النفاقي لكننا يمكن أن نختار واحداً أو اثنين من أولئك الذين كشفوا عن وجههم الاجرامي وعلى رأسهم النائب المتهم على الدايني، ووزير تبين فيما بعد أنه قيادي في القاعدة ومسؤول عن مقتل أبناء الآلوسي.ولا عتب على هؤلاء وامثالهم، ولكن العتب على الذين رضخوا لنظام يجلب ويسمح لمثل هؤلاء بالعبث من جديد في العراق، وهو نفسه النظام الذي يضغط لإعادة البعث .أن العراق اليوم يعيش فترة مصيرية من عمره، ويجب أن يختار الشعب العراقي الشرفاء من أبنائه ويلفظ هؤلاء البعثيون المجرمون والمتشدقون المخادعون بشعارات الوطنية،.. إننا يجب أن نكتشف ونبحث، و نختار الصادقين، النزهاء الاكفاء المخلصين، من المناضلين الحقيقيين الذين قارعوا نظام الطاغية، وقدموا التضحيات في سبيل الدين والوطن، وقيم الحرية والعدل والحق والانصاف..
|
|