خارج أجواء الوظيفة
|
إياد محسن
الوظيفة العامة ركن أساس في بناء الدولة., وليست القرارات الإدارية الا عصب الحياة في أية مؤسسة, وحين تكون هذه القرارات متماشية مع القوانين ومستندة إليها تكون المؤسسة سائرة على جادة الصواب ومتسمة بالنزاهة والشفافية, أما اذا صدرت هذه القرارات بتأثير من الضغط الاجتماعي فحتما سنكون امام مؤسسات مشوهة وفاسدة كون القرارات التي تصدر لادارة المؤسسة تستند لرابطة القرابة او الصداقة اكثر من استنادها لضوابط الوظيفة وقوانينها.
المكان الذي يتخذ في ساحته القرار الإداري يؤثر في نوعية القرار ومقدار موافقته للقوانين, فالموظف في مقر الوظيفة يكون منصهرا في أجوائها وخاضعا لتأثيرها وهو تبعا لذلك أكثر استعدادا لاحترام سياقات العمل فيها خلاف ما اذا كان متواجدا في مكان تكون فيه الغلبة للعلاقة الاجتماعية كالبيت او المضيف إذ يكون للعلاقة الاجتماعية التأثير الأكبر وهذا ما يدفع البعض لعقد اللقاءات مع مصادر صنع القرار خارج أجواء الوظيفة للحصول على قرارات تتعلق بالوظيفة ربما لم يكونوا ليحصلوا عليها لو تواجد متخذ القرار في محل عمله خصوصا ونحن في مجتمع شرقي يرتبط فيه الإنسان بروابط اجتماعية تفرض عليه التزامات شتى إزاء الأقارب والأصدقاء ويعاب عليه ان تمرد عليها او امتنع عن الامتثال لاستحقاقاتها ويكون عرضة للرفض والازدراء.. وفي مثل هكذا أجواء تكون الشخصية الوظيفية غائبة وذائبة امام الشخصية الاجتماعية
غير ان الموظف الحريص لا يمكن استدراجه لمثل هكذا أجواء وهو يدرك ان اي قرار يتخذ بتأثير العلاقة الاجتماعية فانه حتما سيأكل من جرف نزاهته وشرفه المهني والوظيفي ونرى أمثال هذا الموظف حريصين على عدم حضور الحفلات ومآدب الطعام التي من المحتمل ان تثار فيها امور تتعلق باتخاذ قرارات لها صلة بالوظيفة التي يمارسها, فهي لا تعدو كونها فخا يراد منه الإيقاع بمتخذ القرار لتحقيق مصالح شخصية.
المشرع العراقي التفت الى هذا الجانب وحاول في قوانين كثيرة حماية الموظف من ان يكون تحت تأثير الضاغط الاجتماعي لاحتمال عدم موضوعية القرار المتخذ في هكذا أحوال.فقانون المرافعات المدنية منع في المادة 91 منه القاضي من نظر الدعوى في احوال محددة, كان يكون زوجا او صهرا او قريبا للدرجة الرابعة لاحد الخصوم, او اذا كأن وكيلا لاحد الخصوم او وصيا او قيما عليه ,او اذا كان له او لزوجه او لأصوله او فروعه او لأزواجهم مصلحة في الدعوى القائمة, وكذلك أجاز القانون في المادة 93 طلب رد القاضي اذا كان احد المتداعين مستخدما عنده او كان قد اعتاد مؤاكلته او مساكنته او كان قد تلقى منه هدية قبل اقامة الدعوى او اذا كان بينه وبين احد الطرفين عداوة او صداقة يرجح معها عدم استطاعته الحكم دون ميل. وفي المادة 330 من قانون العقوبات العراقي وجه المشرع عقوبة الحبس لكل موظف امتنع بغير حق عن أداء عمل من أعمال وظيفته او اخل بواجباتها لرجاء او توصية
المتابع لدوائر الدولة وطريقة ادارة الأمور فيها يصاب بالخيبة والذهول فالعلاقات الاجتماعية وباقي المؤثرات ابتلعت الوظيفة العامة وأثرت على صحة القرارات فيها وهذا ما يظهر من قرارات التعيين التي تستند الى العلاقات الشخصية اكثر من استنادها الى معايير الكفاءة والتخصص ما حول بعض الدوائر الى ساحة لتواجد افراد ينتمون لعائلة واحدة يعيشون حالة من التكاتف والتضامن على حساب الوظيفة العامة واستحقاقاتها.
|
|