أداء الأمانة والنقد الذاتي
|
محمد كاظم
)إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً). (النساء/58).
أروع ما يكون عليه الإنسان أن يرتفع بمستواه، فيحترم الآخرين ويحترم حقوقهم لديه، فيدعى إذ ذاك أمينا يعيش خارج ذاته في محيط الحق وأفق الصدق ومستوى العدالة.. وقد تكون الأمانة شيئاً بسيطاً، فيتحمل المرء أمانة قلم أو خاتم أو أي شيءٍ حقير الثمن، وقد يتحمل أمانة بيت وأسرة ووصايةً على يتيم صغير. فالأمانة لا فرق بين كبيرها وصغيرها، لأنها تجعله في ميزان يحدد له موقعه بين الحق والعدل وهموم الآخرين والقدرة على تحمل المسؤولية من جانب، وبين حبس الذات في دائرة الشهوات والأنانيات.
ولمّا كان المؤمن قد صدّق واعترف بحق الله عليه، فإنه قد إنعتق من عبودية الذات وانطلق إلى أفق العدالة، لأن حق الله عليه هو الإيمان به وبكلماته وحقوق العباد تجاهه. فالإيمان بالله ليس مجرد كلمة أو علاقـة ضبابية بين المرء وخالقه، إنما هي علاقة بينه وبين الحق؛ أي الحق الذي يجب أن يحُترم ويُعترف به ويؤدى بالقدر الممكن. لذلك؛ فإن ربنا سبحانه وتعالى قد أمر عباده بأداء الأمانات إلى أهلها ضمن سياق قرآني مطلق شامل، لإضفاء المفهوم الأوسع على طبيعة الحركة الإيمانية في هذا المجال، فضلاً عن الناحية القانونية له.
)إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا)، تعنى ضرورة تحمل كل إنسان أمانته، حتى أن حق الوالدين والأولاد والزوجة وذوي الأرحام والأصدقاء كلها أمانات عليه أداؤها، هذا أولاً.
وثانياً: إن الإنسان يجب أن يسعى باتجاه أداء الأمانة إلى أهلها وعدم خيانتهم بتسليمها إلى غيرهم، وليعلم انه ليس من المستحسن أن يتغافل عن مسؤولية أداء الأمانة ثم تراه يعكف على تدوين قائمة عريضة يضمنها وصاياه التي لا تنتهي، الغرض منها تلافي الخيانة التي ارتكبها طيلة سني عمره، فيثقل كاهل أولاده بعد وفاته، لأنه ليس من المعلوم أو المضمون حرص وإلتزام الموصى لهم بمثل هذه الوصية الطويلة والمكلفة. فلينظر كل إنسان في شهر رمضان؛ شهر الرحمة والمغفرة وشهر النقد الذاتي والمحاسبة الذاتية، فلينظر إلى نفسه لإعادة حساباته عبر ساعات التفكير والتدبر في آيات القرآن الكريم وتلاوة الأدعية المباركة وساعات الصلاة، وصياغتها صياغة تنتهي إلى حالة مراجعة ذاتية إيجابية. فلا تبقي حقا -صغيراً أو كبيراً- منغلقا في ذمتك، سواء كان هذا الحق حقاً ذاتياً أو حقاً لله أو حقاً للآخرين، مالياً أو معنوياً.
|
|