وقفة تأمل عند (القيامة)
|
* مثنى قاسم
قال الله تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ" (سورة الحج /1-2).
إن يوم القيامة ليوم مشهود له إذ فيه يصعق من في السماوات والأرض فيخرج الناس من قبورهم حفاة عراة مسرعين وقد اصابهم الهلع والفزع وهم يترقبون الحساب يتملكهم القلق والاضطراب عما سيكون على مصيرهم بعد الحساب.
ونحن نلاحظ من خلال الآية الكريمة كيف وصف ربنا (عز وجل) ذلك اليوم المصيري وما يصيب الانسان فيه من ذعر وعسر وخوف شديد بحيث تذهل المرضعة عما ارضعت وتسقط الحامل حملها والناس أشبه بالسكارى من شدة الفزع والذهول والحيرة الشديدة ويشيب فيه الإنسان لهمه وغمه، قال الإمام علي (ع): (إحذروا يوماً تفحص فيه الأعمال ويكثر في الزلزال وتشيب فيه الأطفال) ومن المثير أن نجد القرآن الكريم يصف يوم القيامة بأسماء كثيرة وهي مشتقى من آثار ذلك اليوم العظيم ومواقفه وما يحصل فيه من أهوال، ونذكر بعضها بإيجاز لما لها تأثير على نفسيه الإنسان في إتخاذ القرار المناسب بعدها:
1- (القيام): وسميت بالقيامة لأنه فيها قيام الخلق للحساب. قال تعالى: "يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ" (المطففين /6).
2- (القارعة): وهي الضرب الشديد، وقيل سميت القيامة بذلك لأنها تقرع القلوب بالفزع، وتقرع أعداء الله عز وجل بالعذاب. قال تعالى: "الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ" (سورة القارعة /1-3).
3- (الصاخّة): الصيحة الشديدة التي تصمُّ الأسماع من شدتها وهي نفخة الصور، قال تعالى: "فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّةُ" (سورة عبس /33)، وهي تؤذن بقيام الخلق للحساب في ذلك اليوم العظيم الذي يفر المرء فيه من أمه وأبيه وصاحبته وبنيه لإنشغال كل فرد بنفسه لشدة الهول.
4- (الغاشية): وقد سميت القيامة بالغاشية لأنها تحيط بالناس أو لأنها تغشاهم بأهوالها العظيمة أو لأنها تغشى وجوه الكفار بالعذاب. قال تعالى: "هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ" (سورة الغاشية /1).
5- (الطامّة الكبرى): قال الله عز وجل: "فَإِذَا جَاءتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى" (سورة النازعات /34)، لقد سميت القيامة بذلك لأنها داهية عظيمة تغلب كل داهية هائلة.
6- (الراجفة): قال الله تبارك وتعالى: "يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ * قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ" (سورة النازعات / 6-8)، والراجفة هي الواقعة التي تزلزل عندها الاجرام وقد فسرت الراجفة بالصيحة العظيمة التي فيها تردد واضطرب أي تضطرب لها القلوب.
7- (يوم الفزع الأكبر): وسمي ذلك اليوم بيوم الفزع الأكبر للفزع الشديد والهلع الذي يصيب الناس.
8- (يوم الحسرة والندامة): سُمي يوم القيامة بيوم الحسرة والندامة لشدة الندم حيث يرى الناس نتائج أعمالهم وقانا الله وإياكم شر ذلك اليوم إنه سميع مجيب.
وفي هذه الايام الكريمة ونحن على مائدة الرحمن، ينبغي علينا أخذ الحيطة والحذر أكثر مما ينتظرنا في الحياة الأخرى وهي الأبدية، لنكون على أتم الاستعداد لاستقبال يوم القيامة، ولا نقوم بأعمال في هذا الشهر وفي كل أيام حياتنا، تسبب لنا الوقوف طويلاً بين يدي الله وأمام الأشهاد.
|
|