الخط العربي .. حاضن الثقافة الاسلامية الذي أهمله الزمن
|
*حيدر حسين
هو فنٌ وتصميم ومظهر من مظاهر الحضارة، وأثر من آثار المدنية. لذلك كان أسبق الأمم إليه المصريون والفينيقيون، وأجهل الناس به البدويون، فلم يعرفه العرب إلا في الجهة التي عرفتها الحضارة واْرتقت فيها العمارة وهي اليمن. كان اهل اليمن يستعملون خطاً يسمونه (المسند) باسم لغتهم، يكتبونه حروفاً منفصلة ويزعمون أن الوحي نزل به في كتاب نبي الله هود عليه السلام، ولكن المكتشفات الأثرية وعلم مقارنة اللغات أثبتت أن الخط الفينيقي هو مصدر الخطوط السامية، وأن الآرامي والمسند بأنواعه مشتقان منه، ومن الآرامي اشتق الخط النبطي في منطقة (حوران)، و (السطر نحيلي السرياني) في العراق، وهذان الخطان هما الأصلان للخط العربي، فمن الأول تولد الشكل النسخي، ومن الثاني تولد الشكل الكوفي، وكان يعرف قبل الإسلام بالحيرى نسبة إلى الحيرة. وقد تعلم عرب الشمال الأول أثناء رحلاتهم إلى الشام، وتعلموا الآخر من الأنبار: تعلمه بشْرُ بن عبد الملك الكندي أخو أكيْدِر بن عبد الملك الكندي صاحب دومة الجندل؛ وخرج إلى مكة، فعلمه جماعةً من القرشيين فكثر من يكتبه منهم.
ارتبط انتشار الخط العربي بانتشار الاسلام حيث نهى الاسلام عن استخدام نقوش البشر والحيوانات على المصاحف والمساجد، وكان للاسلام دور في تشجيع الخط العربي متمثلاً بما قدمه الإمام علي عليه السلام في هذا المجال واهتمامه باللغة العربية، وللإمام علي عليه السلام روائع في هذا المجال ابرزها خطبته الشهيرة الخالية من النقاط، ومن الشعر الذي يقرأ من اليمين اليسار وبالعكس وهذا يدل على ان الإمام علي عليه السلام من المهتمين باللغة العربية وبفنونها الاخرى.
ان فنّ الخط العربي كبقية الفنون الاخرى من حيث كثرة الاقبال عليه من الهواة والمبدعين وسرعة تطوره وهو بهذا لم يتطور دفعة واحدة مثله في ذلك مثل اللغة والكتابة وغيره من الفنون كما مر سابقا، بل نما ونضج مع الزمن وأكثر ما تطور الخط العربي اثناء بناء مدينة الكوفة عندما اتخاذها الإمام علي بن ابي طالب عليه السلام مقراً لخلافته، ومن هنا انطلقت النهضة الفنية للخط العربي ليقوم بدور ثقافي وحضاري الى جانب الطابع الفنّي والجمالي، وكان في مقدمة مهامه كتابة القرآن الكريم.
ويُعد الخط الكوفي (خط النسخ) أحد أوضح الخطوط العربية على الإطلاق ويستخدم الآن في كتابة المطبوعات اليومية والكتب التعليمية والمصاحف والمواقع اللإلكترونية ويعدّ أول خط يتعلمه الناشئ في العالم العربي والإسلامي ويعدّ أسهل الخطوط قراءة وكتابة، وقد سمي بعدة تسميات: (البديع)، (المقور)، (المدور) هو يجمع بين الرصانة والبساطة ومثلما يدل عليه اسمه فقد كان النساخون يستخدمونه في نسخ الكتب، و اصبحت بقية الخطوط تستخدم فقط للزخارف والنقوش والتراث اي انحصرت في اماكن ضيقة.
وكما لكل مهنة او عمل مبدعون وفنانون فان للخط العربي ايضا مبدعين وفنانين برزوا ولمعوا، وهناك مجموعة كبيرة من الخطاطين الذين اشتهروا قديماً وحديثاً منهم: الحافظ عثمان و محمد عزيز الرفاعي. ومن الخطاطين حديثاً نذكر منهم:
1- الراحل الكبير هاشم محمد الخطاط، الذي كان علماً من اعلام العراق والعرب في فنون الخط، وفناناً قلما يجود الدهر بمثله وهو معجزة الخط العربي، وقد قال عنه الخطاط التركي الشهير والمعروف بـ(حامد الآمدي): (ولد الخط العربي في بغداد ومات في بغداد)، وهذه الجملة قالها بعد وفاة هاشم الخطاط وكان يقصد بالولادة الخطاط البغدادي (ابن البواب)، وموت الخط يقصد به وفاة هاشم الخطاط.
2- الشهيد الحاج خليل الزهاوي والذي يعرف بـ ( شيخ الخطاطين)، وهو من مواليد خانقين.
3- محمد علي هادي الكربلائي ولد سنة 1926م، وهو خطاط معروف، له دكان في سوق النجارين، استطاع ان يقدم لوحات زخرفية قريبة من الفن التشكيلي، كما انه كتب شعارات كثيرة في المناسبات الدينية والمحلات التجارية.
4- منير مهدي ملك، من مواليد كربلاء سنة 1930م، تتلمذ في مطلع صباه على الخطاط الشهير الشيخ علي أكبر النائيني وتدرب على خط الثلث، وكان يختلف في حينه على الخطاط العراقي الشهير صبري الهلالي فاقتنى طريقته في كتابة خط الثلث التي يتفنن بها المرحوم صبري في تنسيقه الجميل وليونته وطراوته المعروفة التي تجلت في كتابة سورة (هل أتى) في الروضة الحسينية. ومن كتابات منير الكتيبة التي سجلها على محراب مسجد العلقمي وأخرى في جدران مسجد براثا في الكرخ من بغداد وعلى باب مسجد الكوفة .
5- الشيخ حمد الكعبي، وكان يدير (كتّاباً) في الحرم الحسيني الشريف، وبالاضافة الى ذلك فهو خطاط ماهر يكتب الخط الجليّ. ومن ابرز آثاره انه كان يكتب على حبة ارزة سورة التوحيد مع البسملة ، وذلك بواسطة شعره ولم يضارعه أحد من الخطاطين في كتابة هذا النوع. ومن الكتب الخطية التي كتبها بخط يده كتاب (بحر الأنساب) المحفوظ في مكتبة الشيخ عبد الحسين الطهراني.
وفي السنوات الاخيرة لم يحظ الخط العربي ذلك الاهتمام الكبير سوى من المبدعين واهل الاختصاص، ولا توجد سوى بعض المدارس التعليمية في عدد من البلدان العربية. بالمقابل نرى الاقبال على اللغة الانجليزية والفرنسية بشكل كبير وعلى حساب اللغة العربية، طبعاً؛ لانقول ذلك تخوفاً من اللغة الانجليزية او التقليل من اهميتها، لكن علينا الاهتمام اولاً بلغتنا ومن ثم نجعل اللغة الانجليزية هي اللغة الثانية وللضرورة، ونحن نرى - ومع الاسف - ان اللغة الانجليزية لها الاهتمام الاكبر في البلدان العربية من قبل اصحاب المحلات التجارية والفنادق والمطاعم والمرافق السياحية وغيرها، حيث نرى الاسماء والعبارات تكتب بالانجليزية بدلاً من العربية، بينما الشعوب الاخرى تعطي الاولوية للغتها الاصلية.
ان الخط العربي له حضوره البارز والمشهود في معظم المعالم الاثرية الاسلامية من مساجد وجوامع ومدارس قديمة هذا الى جانب المراقد المشرفة في مختلف بقاع العالم. مما يعطينا الدليل على ما للخط العربي من دور لنقل الآيات الكريمة والاحاديث الشريفة الى الاجيال، فهو باقٍ ما بقي الجدار والايوان والمباني القديمة التي تعود الى قرون خلت.
من هنا لابد من تشجيع الشباب وإقامة الدورات لنشر الخط العربي الاصيل والجميل بين اوساط الجيل الجديد، وذلك من خلال الاهتمام الحكومي او بتحرك المؤسسات الثقافية. فالخط مثله كاللغة والمعمارية تمثل تاريخ وحضارة كل أمة، وهذا الاهتمام يتمثل ويتجسد في تحفيز المواهب والطاقات بين طلبة المدارس، باقامة المعارض والمسابقات لصقل المواهب والابداعات في مجال الخط، وهذا ما يفتح آفاق المستقبل امام الخطاطين الشباب لأن يرفدوا الثقافة الاسلامية بفن اصيل يكون له دوره في النهضة الحضارية للأمة.
|
|