العلاقان المصرية ـ الجزائرية: من "نزاع كروي" الى "أزمة كرامة"!؟
كرة"الثلج" العربية.. تعابير"حربية" و"فتيل" أزمة وتوظيف رسمي لغايات "حكومية"
|
الهدى/ رجاء عبدالرحمن:
دخلت مصر، ومن رأس هرم السلطة فيها، الرئيس حسني مبارك، ووزرائه ووسائل الاعلام الرسمية، حرب داحس والغبراء، مع الجزائر، منذ أكثر من اسبوعين، وحتى هذه اللحظة، في تصعيد وتوتر في الخطابات وردود الافعال، ما أدخل العلاقات المصرية ـ الجزائرية، في أزمة سياسية على خلفية تبعات "النزاع الكروي" بين المنتخبين المصري والجزائري، والذي تأهل في نهايته فريق الجزائر لنهائيات كأس العالم، على حساب مصر التي خسرت بهدف واحد في الخرطوم. وتجاوزت حدود الاتهامات بين الطرفين لتقترب من القطيعة بين البلدين. ويأتي ذلك فيما تتصاعد المخاوف والتحذيرات من عمليات "تهويد" واسعة ومستمرة للقدس من قبل الجماعات اليهودية الصهيونية المتطرفة، وبمساعدة حكومية من تل أبيب، فيما تواصل حكومة نتنياهو حركة بناء مستوطنات جديدة في القدس وغيرها من المدن بالتزامن مع عمليات تهجير وهدم موسعة لمنازل واحياء فلسطينية. في هذه الاثناء وصل، الأحد، إلى غزة، وفد من الفنانين السوريين ببادرة تضامنية حاملين معهم رسالة من الأطفال الفلسطينيين المقيمين في سورية إلى أطفال غزة. وقال الفنان دريد لحام "لعلنا بهذه الزيارة نخطف جانبا من الوهج الإعلامي الرديء الذي أثارته مباراة مصر والجزائر وتم تناسي غزة والجولان وتعاملوا مع مباراة كرة قدم وكأنها حرب داحس والغبراء".
وفي خطاب حماسي قوبل بتصفيق حار من أعضاء البرلمان الذي يهيمن عليه الحزب الحاكم، حذر الرئيس المصري حسني مبارك، مطلع الاسبوع الجاري، من ان بلاده "لن تتهاون مع من يسيء لكرامة ابنائها.. ولا نقبل التطاول عليهم "، في اشارة لتعرض مصريين لإستفزازات في الجزائر والسودان، بعد المباراة. من جانبه قال رئيس الوزراء الجزائري أحمد أويحيى "نحتفل بانتصار المنتخب وتأهله لنهائيات كأس العالم وليس لدينا الوقت حاليا للانشغال بما يقوله المصريون". فيما قال وزير الدولة الجزائري عبدالعزيز بلخادم، الممثل الشخصي للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، ان النظرة الاستعلائية ليست مقبولة بين الجزائر ومصر. وأوضح في تصريح صحفي انه "في النهاية هي مباراة كرة قدم".من جانبه وصف علاء مبارك نجل الرئيس المصري احداث العنف التي اعقبت المباراة بانها "ارهاب"، واصفا المشجعين الجزائريين بانهم "جماعات مرتزقة".واكد علاء مبارك، الذي كان حاضرا في المباراة مع شقيقه جمال، وقال في مداخلة مع برنامج "الرياضة اليوم" على قناة دريم الفضائية ان "تركيبة الجزائر بها شيء غريب، فيها حقد وغل ضد مصر". وعد أن ما حدث يشكل "مهانة ولن نصمت على ما حدث".كما استدعت مصر سفيرها في الجزائر للتشاور، نهاية الاسبوع،، كما استدعت السفير الجزائري في القاهرة للاحتجاج. وبدورها، اعلنت وزارة الخارجية الجزائرية ان الجزائر استدعت سفير مصر في الجزائر واعربت له عن "استغرابها وقلقها الشديد" من "التصعيد" في الحملة الاعلامية في مصر.
ويقول المحللون ان العلاقات المصرية الجزائرية ستحتاج الى الكثير من الجهود لإصلاح الأضرار العميقة التي تسببت بها مباريات منتخبي البلدين بكرة القدم التي تحولت الى "كرة الثلج" السياسي والاعلامي، وماصاحبها من تأثير على الاستثمارات والعلاقات الاقتصادية أيضا !، لتتحول الى أزمة رسمية في ضوء المواقف المتشددة والمتشنجة من الحكومتين. فقد تحولت "كرة القدم" إلى "فتيل" أشعل أزمة سياسية بين البلدين،ومن المثير أنه تتم استخدام نفس التعبير الذي تم استخدامه على صعيد المواجهة بين حركة حماس الفلسطينية والكيان الصهيوني من العام الماضي وهذا العام، وهو مصطلح "التهدئة" الذي دخل إلى حيز العلاقات والاهتمامات المصرية الجزائرية. حيث تعددت المبادرات في القاهرة والجزائر لتهدئة الخواطر والإنفعالات قبل وبعد المباراة في ظل إطلاق تسميات عليها من قبيل "معركة" و"موقعة" و"مواجهة" وغير ذلك من تسميات الحرب. هذا وقامت الفضائيات والصحف وكل أدوات الإعلام في البلدين، بدور سلبي جدا، حيث تولى عدد من الصحافيين الرياضيين والمذيعين ومقدمي البرامج الرياضية عملية شحن هائلة متبادلة، و تحولت الفضائيات المصرية، إلى أبواق للتعصب في اطار عملية شحن غير مسبوقة كانت لها آثار سلبية للغاية في الجزائر.وفي الجزائر حاولت الصحف سواء الصادرة بالعربية أو الفرنسية، تعويض خسارة معركة الفضائيات، بنشر العديد من التغطيات الصحفية اعتمدت معظمها على الإثارة. ويبدو أن النظامين الحاكمين في مصر والجزائر وجدا في "الكرة" وأحاديثها، فرصة ولو قصيرة، لإزاحة القضايا والهموم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في البلدين، من ساحة الأهتمام الجماهيري والاعلامي. فقد شهد الملف الكروي منذ حوالي ثلاثة اسابيع وحتى الأن، توظيفا سياسيا وحكوميا في البلدين. فالبطالة والإحباط اللذان يتشارك فيهما الشباب في مصر والجزائر، وغياب الإنجازات المهمة على الصعيد الوطني جمعت البلدين في الدخول الى نفس المناخ، الذي حول المباراة إلى منافسة حامية الوطيس. واعترف عدد من المعلقين والصحافيين المصريين والجزائريين خلال ندوة جمعتهم في الجزائر قبيل يومين من المباراة، بأن الحملة الموسعة والمبالغ فيها حول المباراة نجحت في إبعاد الأنظار عن مشاكل إجتماعية وسياسية وثقافية واقتصادية مختلفة، وأن هناك عملية توظيف متبادلة لاستغلال المباراة لكي يستطيع الملايين من الشباب في البلدين الغاضبين من عدم الحصول على فرص عمل أو مسكن من "التنفيس" عن غضبهم، خصوصا أن المناسبة الكروية تمددت زمنيا إلى أكثر من شهر كامل من النقاش والحوار، فيما المباراة نفسها لن تستغرق سوى 90 دقيقة.
|
|