قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

أهمية العمل تساوي خطوات نحو التقدم
*حيدر حسين
مما لا جدال فيه أن للعمل اهميةً كبرى بالنسبة للفرد والمجتمع، فهو غاية انسانية و واجب اجتماعي في الحياة وهو في نفس الوقت من القيم الدينية التي تصل الى مستوى العبادة. واذا كان كل ما في الوجود يعمل، من أعظم الاجرام السماوية التي لا تتوقف لحظة عن الدوران في افلاكها، الى النملة التي لا يسمع دبيبها على الأرض، الى الذرة التي لا تُرى الا بالمجهر. كل ذلك لا يسكن عن الحركة والنشاط، فالانسان لايستطيع ان يخرج عن نواميس الكون ويعيش بلا عمل وإلاّ لفظته الحياة ونبذه المجتمع وتحطم كيانه وفقد معنى وجوده. فبالعمل يعبر الانسان عن وجوده وينهض برسالته في الكون حيث يقول الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ"، (الانشقاق /6). ولما كان العمل الشريف نوعا من العبادة والتقرب الى الله تعالى فان العامل يستجيب من خلال عمله لأوامر الله تعالى وينهض برسالته في الكون، وبالتالي يجب ان يؤديه بكل اخلاص كما يؤدي صلاته بكل تبتل وخشوع.
ولقد كرم الاسلام العمل ولم يستعبْ أي نوع منه ولقد كان انبياء الله يمارسون مهنا مختلفة، فقد كان آدم عليه السلام يعمل في الزراعة و داود في الحدادة ونوح في التجارة وموسى عليه السلام في الكتابة و رسولنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم في رعي الغنم والتجارة. و كان صلى الله عليه وآله يؤكد على الكدّ والعمل قائلا: (ما أكل أحد طعاما خيرٌ من ان يأكل من عمل يده).
وبعد هذه المقدمة الوجيزة نجد ان الانسان العامل يكون مرتاح الضمير ويحس بأنه يقدم خدمة لابناء مجتمعه، وبنفس الوقت يكون هذا العمل مدرا عليه بالارباح لسد متطلبات الحياة وبذلك يتماشى مع مبادئ وقيم الدين الاسلامي الحنيف، خير من ان يكون كلاً وعالة على الآخرين ولايعمل ولا يقدم اي خدمة في المجتمع.
والعمل الذي نتحدث عنه، يشمل كل نشاط وحركة مفيدة ومثمرة، وهذا ما نلاحظه في عديد المهن والحرف التي يزاولها الناس، فكل مهنة يقوم بها يعبر عن مفهوم (العمل)، سواء كان هذا العمل ذا اهمية كبيرة وذا مظهر براق وجذاب، مثل صاحب مطعم او صاحب عيادة أو قد يكون صاحب (مخبز) او صاحب محل بيع الفاكهة وغير ذلك كثير. إذن؛ فكل هذه الاعمال وغيرها مادامت تلتقي عند رضا الله و رسوله ويقدم خدمة للمجتمع ويسد حاجات عياله، فان الاسلام يضمن لصاحب هذا العمل والنشاط والسعادة ويحافظ على كرامته، لذا وجب احترام كل الحِرف، لأن كل الافراد هم بالحقيقة بحاجة ماسة إلى كل الحرف في المجتمع.
ومن الفوائد الملموسة عند الانسان العامل، هي تحقيق التوازن النفسي والذهني والجسدي، وكما اسلفنا فأن الاسلام شجع وحفز ابناء المجتمع على القيام بالعمل ورفع من شأن العمل فعلى قدر عمل الانسان يكون جزاؤه، قال الله تعالى في القرآن الكريم: (من عمل صالحا من ذكر او انثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم اجرهم بأحسن ما كانوا يعملون)، فلا يجوز للمسلم ترك العمل باسم التفرّغ للعبادة او التوكل على الله، ولو عمل في أقل الاعمال فهو خير من أن يكون محتاجاً الى الناس دائماً، وفي هذا قال النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم: (لأن يأخذ احدكم حبله، ثم يغدو الى الجبل فيتحطب، فيبيع فيأكل ويتصدق، خير له من أن يسأل الناس)، ولا يحثّ الرسول الاكرم محمد صلى الله عليه وآله على مجرد العمل، بل يحثّ ايضاً على اتقانه فيقول: (ان الله تعالى يحب احدكم اذا عمل عملا ان يتقنه، قيل وما اتقانه يا رسول الله؟ قال: (يخلصه من الرياء والبدعة).
أما عن نوع العمل فللانسان ان يختار من الاعمال ما يناسب و يوافق مقدرته و استطاعته، ولا يحمل نفسه على ما لا تستطيع، يقول الله سبحانه وتعالى: "لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا"، (البقرة /286)، هذا من جانب، ومن جانب آخر، يدعونا الاسلام الى تثمين وتقدير الجهد المبذول من العامل، بحيث لا يتساوى الأجور مع وجود اختلاف في تفاوت في الانتاج والمسؤولية، مثلاً التفاوت بين عامل البناء او المهندس، وهذا يخالف مبدأ العدالة. والقرآن الكريم يدعونا لتطبيق هذا المبدأ صراحة في قوله تعالى: "فَأَوْفُواالْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ" (الاعراف /85)، اي لا تنقصوا من حقوقهم، كما يحذر الله من سوء العاقبة اذا لم يتناسب الأجر مع العمل كما في قوله تعالى: "وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ" (المطففين /1-4). ثم ان الاسلام يؤكد في تشريعه وتعاليمه السمحاء بدفع الأجر للعامل بعد الانتهاء من عمله مباشرة، لقول الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم: (اعطوا الأجير أجره، قبل ان يجف عرقه)، وايضا يؤكد النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم على قضية دفع الأجر وعدم الاستخفاف والتهاون بالعامل، ليرى العامل ثمرة جهده في نفسه وعند عياله عندما يعود اليهم محملاً بما يحتاجونه، يقول صلى الله عليه وآله: (قال تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ومن كنت خصمه خصمته: رجل اعطى بي ثم غدر، و رجل باع حرا فأكل ثمنه، و رجل استأجر اجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره).
كل ذلك من اجل ان يبين لنا الاسلام من خلال الكتاب المجيد والسنة الشريفة للرسول الاكرم وأهل بيته صلوات الله عليهم، القيمة العالية للعمل ودوره في بناء المجتمع بل والحضارة، وبالعمل الصالح والمثمر يكون المجتمع كالبنيان المرصوص يشدّ بعضه بعضا ويكون محصنا من الامراض الاجتماعية كالجريمة والمخدرات ويكون افراده متاحبين متماسكين، يلتقون عند غاية واحدة هي تحقيق السلام والرفاهية والكرامة للجميع، وهذا ليس من المثاليات بشيء، فاذا اجرينا نظرة خاطفة على المجتمع الياباني نجد انه تميز بالعمل المشترك والمنتظم وكان مثلهم كمثل (الساعة) التي لا تنتظم في عملها إلا اذا ترابطت كل أجزائها دون استثناء، فاذا وجدت ساعة دقيقة العمل، فهذا يدلّ على ان كل أجزائها تعمل بانتظام ودقة.
والسؤال هنا: اذا كان المجتمع الياباني او غيره من المجتمعات المتقدمة في العالم، بلغت ما بلغت من التقدم العلمي والتقني وهي تفتقد لدين كالدين الاسلامي ولكتاب عظيم كالقرآن الكريم ولسيرة مضيئة ومعطاء كسيرة الرسول الاكرم وأهل بيته صلوات الله عليهم، فكيف يجب ان يكون المجتمع وهو يحمل كل هذا الارث العظيم؟!
بالحقيقة ان المجتمع الاسلامي افراداً وجماعات، اذا عملوا والتزموا بالنهج الاسلامي الاصيل فانهم قطعاً سيحققون المعجزات والمكتسبات العلمية، وليس دأدلأدلّ على ذلك الاكتشافات العلمية العديدة في عهد الامام الصادق عليه السلام، والعهود الاسلامية الاولى. وهكذا تكون الحياة مضيئة ومفعمة بالخير والسعادة.