قسم: الاول | قبل بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام
أحاديث الشباب
الشباب و الطريق إلى القرآن الكريم
*حيدر عبد الرضا الظالمي
القرآن الكريم كتاب حياة وملائم لكل زمان ومكان، لنجعل من آياته النيّرة نبراساً لطريقنا في الحياة، حتى تتشكل في أذهاننا صورة حيوية لتفاعلنا مع نهج السماء، والشباب مدعوون قبل غيرهم لأن يعوا أن القرآن الكريم وتعاليم السماء إنما جاءت لضمان الخير والسعادة للبشرية ولهم أيضاً، نظراً الى ان الشباب يشكلون النبتة والفسيل الطري في مسيرة التكامل الانسانية، لذا قال تعالى في كتابه العزيز: "وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ"، فحياتنا مليئة بالمشكلات والشباب اليوم يعيشون حالة من التشتت الفكري والنفسي مما يحول دون حصولهم على حلول لهذه المشكلات التي يعانون منها، ولإيجاد الحلول والأجوبة عن الأسئلة الحائرة، نرى الجميع يطرقون هذا الباب ويلجون ذلك الطريق دون أية ضمانة للنجاح والفلاح، لكن في الحقيقة ما أهون ما يطلب الشباب؟!
إن القرآن شافعٌ مشفّع، كما جاء في الحديث الشريف، وهو دائماً السند والملجأ الأول والأخير لجميع العطاشى الى المعارف والحقائق الاجتماعية والتاريخية والنفسية وغيرها، وبتصفح القرآن الكريم والغوص في لججه يمكن اكتشاف العديد من الحلول العملية والناجحة لأي مشكلة يعاني منها شباب اليوم بغض النظر عن ظروفه الموضوعية أو الاجواء التي يعيشها.
لكن بدايةً لنتعرف على أهم المشاكل التي يعاني منها الشباب اليوم حتى يتسنّى فيما بعد عرضها على القرآن الكريم واستحصال الجواب الشافي منه:
1- الغرور: إنه يُعد أحد تجليات الإعجاب بالنفس، والغرور من الحالات المرضية التي يصاب بها الانسان ويُبتلى بها في مرحلة الشباب نتيجة أسباب عديدة أهمها الشعور بالتفوق على الآخرين والاعتداد بما لديه من عوامل القوة كالمال أو السلطة أو الموقع الإجتماعي أو حتى العلمي.
هذه المشكلة أو بالأحرى الحالة المرضية، تغلق على صاحبها جميع منافذ الاتصال مع الآخر، فتصمّ أذنيه وتعمي عينيه، وتجعله يدور حول نفسه، ولا يقبل من ناصح ولا من منتقد حتى وان كان عن حق سواءً فردي أو اجتماعي، لأنه يعتقد في داخله ان كل ما يقوم به صحيحاً ولا مجال لمناقشته. وهذا ربما يؤدي بالانسان او الشاب الى المهالك وتجعله في مواقف تنتهي به الى مأساة مفجعة. وقد صور القرآن الكريم هذه الحالة بقوله: "كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى* أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى"، ومما وصّى لقمان ابنه تحذيره من هذه الظاهرة، وقد صورها القرآن الكريم في الآية الكريمة: "وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ".
2- القلق: وهو من أخطر الأمراض البشرية المعاصرة والتي تهدد الانسان على جميع الأصعدة من حيث صحته النفسية والجسدية، وتدفعه الى سلوك منحرف، والقلق كما يعرّفه البعض بأنه (إنفعال مركب من الخوف وتوقع الشر والخطر والعقاب).
ويعد (القلق) من أخطر مشكلات الشباب خصوصاً عند الذين نشؤوا في أجواء ثقافية تفتقد للإيمان بالله تعالى. وكثيراً ما يتحول القلق الى ممارسات خطيرة وجرائم مأساوية كالإنتحار أو الانزلاق في طرق منحرفة يتصور صاحبها أنه يحصل على الاستقرار والراحة النفسية فيخوض مع المتسكعين ليلاً وهم ينفثون دخان السجائر أو ربما ينضمّ الى شلّة المتسللين تحت جنح الظلام لتناول المخدرات.
ومن بين الأسباب التي تؤدي إلى استفحال هذه الحالة المرضية عند شبابنا هي الخشية المفرطة على المستقبل والإضظهاد السلطوي و البطالة وتردي الأوضاع المعيشية وغياب الأمل والخوف من الفشل الدراسي وصعوبة تحقيق الطموح المدرسي والخوف من الإصابة بالأمراض لا سيما الأمراض الوبائية والخوف على مستقبل الحياة الزوجية.
أمام كل هذه العوامل ذات الشحنات السلبية يضيء لنا القرآن الكريم شعاع الإيمان بالله سبحانه وتعالى وتفويض الأمر له والرضا بقضائه وقدره وحكمته وعدله و حبه لخلقه ورحمته بهم، كل ذلك من شأنه أن يكون أساساً وقاعدة لحل مشكلة القلق واستئصاله، قال تعالى: "قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ" وهذه الآية واحدة من بين الآيات الأخرى التي تعالج القلق وذلك بتوفير الأمن النفسي والإيمان بالقضاء والقدر الإلهي، قال تعالى: "الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ".
3- أزمة الانتماء الفكري والثقافي: وهو في الحقيقة من أخطر المشاكل وأكثرها تأثيراً على مسار حياة الانسان، إذ ان كل سلوك وتصرف يصدر من الشباب، بالضرورة يكون نابع وناشئ من عقيدة وانتماء الى تيار أو ايديولوجية معينة، لكن لا مشكلة حقيقية أمام شبابنا لأن الله تعالى خلق الانسان عاقلاً ومفكراً وهذا ما ميزه عن بقية المخلوقات، حيث بإمكانه تفعيل عقله وتوسيع مدارك وعيه ومعارفه ليصل الى الطريق الصحيح والصائب، والجدير أن القرآن الكريم يشدّ على أيدينا للسير في هذا الطريق و يرفض في الوقت نفسه طريقة التبعية غير الواعية ويهاجمها بشدة ويطالب الانسان بالتدبر والتأمّل وتوظيف العقل في اختيار الطريق الصحيح والأسلم لتحديد الإنتماء الفكري عن وعي وبصيرة، قال تعالى: "قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي" وجيل الشباب المسلم كما هو مهيأ لتقبل الفكر الاسلامي فإنه يكون عرضة لتيارات فكرية وسياسية منحرفة خاصة وإن الحرب اليوم حرب ثقافية وفكرية.
هذه كانت بعض المشكلات التي تواجه الشباب اليوم، وهي بالحقيقة ليست بالمشاكل الحقيقية التي يصعب معالجتها لأن القرآن الكريم بين أيدينا، وهو القائل: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ" (يونس /57)، وهذا تصريح لا لبس فيه بان القرآن الكريم شفاء ورحمة لكل ما يعاني منه الانسان من مشاكل وأزمات نفسية، وكم هو تعبير جميل يستخدمه الكتاب المجيد! حيث يعبّر عن كوامن الانسان بـ (الصدور)، إذن، لا يدع الشباب الفرصة تفوتهم، ولا يدعون العمر ينقضي باجترار المشاكل والأزمات التي هي بالحقيقة نتاج أسباب تافهة وبسيطة.